إفتتاحية قاسيون العدد 570: لا تخشوا شيئاً..!

إفتتاحية قاسيون العدد 570: لا تخشوا شيئاً..!

يعمل النظام على مستوى العديد من شخصياته ومسؤوليه، وعلى مستوى محلليه والناطقين غير الرسميين باسمه، وعلى مستوى الإعلام الرسمي وشبه الرسمي على غرس «الطمأنينة» في قلوب السوريين، على مبدأ أبو مقداد في مسلسل الولادة من الخاصرة وعبارته التي يواجه فيها الأهوال المختلفة: «لا تخش شيئاً»..!

لا شك أن جزءاً من عملية «غرس الطمأنينة» يجد حجته الواقعية في محاربة ناشري الأوهام والأكاذيب وخصوصاً الإعلام الخارجي العربي والغربي، وهو أمر ضروري في إطار الجانب الإعلامي من الحرب الدائرة على سورية، ولكن الانتقال من ضفة تكذيب الإشاعات و«التضليل» الإعلامي إلى ضفة صناعتهما، هو مسألة أخرى بحاجة إلى نقاش لمعرفة مدى صحتها من جانب براغماتي بحت، ومن ثم البحث بعيداً في مضامينها العميقة، خاصةً وأن ما يجري في سورية ليس حرباً بين بلدين ينشر كل منهما إشاعات هدفها تحطيم معنويات الآخر، ولكنها حرب عالمية مصغرة في بلد واحد وبين أبناء شعب واحد..

نقصد بنشر الشائعات من النظام نوعين: النوع الأول إشاعة سياسية تجسدها عبارة «خلصت» التي حملت في حينها طابعاً أمنياً- سياسياً، والتي تحولت اليوم إلى «الحسم» العسكري والأمني ذي القبضة الحديدية التي لن ترحم الإرهاب والفوضى وستنهي الأزمة السورية خلال أسابيع، وضمناً فهي ستنهي حلب خلال أسبوعين منذ ما يقارب الشهرين ودمشق قبل ثلاثة أشهر..الخ، والنوع الثاني إشاعة  اقتصادية - معيشية التي لا تزال ترى أن سورية بخير، وأن الأحوال مقبولة لكنها ستتحسن في ظرف شهرين أو نحوهما، وطبعاً هذا الكلام مستمر منذ بداية الأزمة وحتى اليوم. إن نجاح الدعاية الإعلامية- السياسية يعتمد على مدى قدرتها على النفاذ إلى الناس وعلى مدى قبولها عندهم، وحين يغني النظام والإعلام الرسمي على موجته الخصوصية فهذا لا يعني بالضرورة أن الناس ستكيّف نفسها وفقاً لهذه الموجة، ولكنها تستمد غناءها وشجونها من الواقع نفسه، الواقع المتدهور والمرعب، الواقع المملوء بالبارود والتهجير و«التذبيح» و«التشبيح» والفساد والجوع  والمزيد من الفقر والبطالة والقلق..الخ. إن كان الإعلام الرسمي مستمراً في استعراض الانتصارات المتتالية فإن ما هو أهم هو السؤال عن حال المريض.. كثيرة هي العمليات الجراحية الناجحة التي يموت المريض بعدها من الجهد، وهي حالة معروفة طبياً. وبكلمة واحدة، فإن نجاح الدعاية السياسية يحتاج إلى الثقة. ثقة المجتمع التي يريح النظام نفسه من السؤال عن درجتها!

إذا كانت الدعاية عبر الإشاعة التي تسم جزءاً من عمل الإعلام الرسمي و«المحللين السياسيين» المحسوبين على النظام فاشلة بالمعنى البراغماتي وغير قادرة على إعادة ثقة المجتمع بالنظام إلى ما كانت عليه قبل الأزمة أو حتى في مراحلها الأولى، فإن الاستمرار باستخدام هذا النوع من الدعاية يحمل مضامين أخرى وغايات أخرى..

إن سياسة «غرس الطمأنينة» تعني، أول ما تعني، أيها الناس لا تخشوا شيئاً فنحن لهم بالمرصاد، وأريحوا أنفسكم من عناء التدخل، عليكم فقط أن تؤيدوا ما نقوله وما نفعله..! وإذا أردنا الذهاب أبعد من ذلك فإن المعنى الضمني لهذه السياسة هو: (أيها الناس، سوف لن يتغير شيء، وظيفتكم هي التصفيق، وأما بناء الفضاء السياسي الجديد، والتخلص من عفن القديم، فتلكم مهمتنا التي سننجزها بطريقتنا الخاصة)..

إن التراجع الكبير في قدرة جهاز الدولة على إدارة شؤون البلاد سواء في الجانب الأمني، أو في الجانب الاقتصادي حيث الطرق مقطعة والأسعار منفلتة من عقالها، تعيد تأكيد حقيقتين: الأولى أن جهاز الدولة خلال مرحلة اللبرلة فقد معظم أدواته التي كانت تسمح له في وقت مضى أن يتحكم بالسوق، والثانية أن غياب الحريات السياسية المترافق مع تغول الفساد جعل الناس بلا أدوات تسمح لهم بالحفاظ على جهاز الدولة وعلى حقوقهم عليه.. والحقيقة الكبرى وراء الاثنتين أن فراغ الإدارة الناشئ لا بد أن يجد من يملؤه لأن المجتمع كما الطبيعة لا يقبل الفراغ.. وعلى النظام هنا إما أن يسهل تنظيم الناس لأنفسهم في الدفاع عن دولتهم هم وعن حقوقهم ضد الإرهاب الذي يمارسه فاسدو المعارضة يداً بيد مع فاسدي النظام، أو أن يقول للناس: لا تخشوا شيئاً.. 

آخر تعديل على الأربعاء, 16 نيسان/أبريل 2014 11:02