«القديم لم يمت بعد ... والجديد لم يولد»

«القديم لم يمت بعد ... والجديد لم يولد»

في الشارع السوري حراك سياسي، وعندما نقول في الشارع لا نقصد فقط أولئك الذين شاركوا في المظاهرات من أبناء الشعب السوري، بل نقصد درجة نشاط سياسي عالية  للناس تنعكس بالكلام والكتابة والنقاش ومواقع الانترنت والتلفزيون وفي كل المجالات، فالسياسة دخلت كل البيوت بشكل مفاجئ وأصبحت هماً يومياً وهذا الطور جديد بكل المقاييس، 

لأن الناس حين تفكر بالسياسة تبدأ بتكوين الأرضية الأساسية لنشوء فضاء سياسي ينتجه الحراك الشعبي، إذاً لدينا فضاء سياسي جديد يولد في سورية اليوم وما زلنا في بداية الطريق لأن الفضاء السياسي القديم الناتج عن مرحلة ما بعد الاستقلال الوطني استنفد نفسه وهو في حالة موت سريري كما تعلمنا الأحداث، ولكن هذا الفضاء السياسي القديم لم يمت بعد بشكل نهائي ولكن موته كان محتماً وضرورة موضوعية لولادة فضاء سياسي جديد تكون محصلته تلك القوى الحية القادرة على التكيف والتطور والانبعاث من جديد مع القوى الجديدة التي تخلق من رحم ما هو جديد، وهذا بالضبط ما تكلم عنه المفكر الماركسي المعروف غرامشي حين قال: « القديم لم يمت بعد، والجديد لم يولد..» أي نحن  في حالة انتقال حتمية ولو كان البعض ما زال يلهو ويتسلى معتبراً أن ما يجري على الأرض مجرد ظاهرة آنية يستطيع حلها ببعض المكياج واستعمال مساحيق التجميل والحلول الأمنية والعسكرية.

فالقضية ليست «أهلية محلية» بل إنها عودة الجماهير إلى الشارع من وول ستريت في الولايات المتحدية إلى كل المدن الأوربية والعريبة، فلا أحد «فوق رأسه خيمة» كما يقال  في هذا التحرك الشعبي، ودفن الرأس في الرمال لن ينجي أحداً من العاصفة وصاحب الجلالة الشعب لن يقبل إلا بإحداث التغيير الوطني الديومقراطي  السلمي الشامل والجذري.

 من هنا الحركة الشعبية  في سورية بدأت تعي أخطاءها وأهدافها معاً وهي تتلمس بفعل نشاطها السياسي المتصاعد طريقة التغيير الحقيقية وهي تتحرر من سيطرة فاسدي النظام والمعارضة المتآمرين بحكم مصالحهم الطبقية على حرف وتشويه الحركة الشعبية وشرذمتها بمعارك ثانوية تندرج تحت مسميات وهمية كــ « معارضين وموالين » ... « سنة وشيعة » ... « عرباً وأكراد » ... فالعمال والفلاحون والمهمشون في النظام والمعارضة لا يجب أن يختلفوا على بناء الجنة على الأرض، أي لا يجب أن يختلفوا على إحداث التغيير لأنهم أصحاب المصلحة الحقيقية في إحداث التغيير الوطني الديموقراطي السلمي، ولأنهم في نهاية اليوم متساوون في الرواتب والفقر والبطالة والتهميش الاجتماعي، ومتساوون في الموت والجوع والقمع والاستبداد الذي ينتجه الفساد الكبير في سورية، ناهب الاقتصاد الوطني منتج القمع والعنف، هذا الفساد ليس حليفاً للحركة الشعبية ومصلحته العليا هي في إنهاء تلك الحركة وقتلها بكل الوسائل كي لا تحاسبه أمام القانون وعلى مرأى ومسمع الجميع عن كل الثروات المنهوبة من الشعب والدولة، والعملية تبدأ بالفاسدين الكبار، وأضابيرهم موجودة في هيئات الرقابة والتفتيش، وعلى الرقابة أن تخرج تلك الأضابير وهؤلاء يأكلون %80 من كعكة الفساد السورية، فقد أصبح من غير الممكن لسورية أن تستعيد لحمتها الوطنية وعافيتها الاقتصادية دون محاسبتهم أمام القضاء وبشكل علني، ومن غير الممكن أن يستعيد الإنسان السوري كرامته وعافيته في بلده دون أن يشعر أن أولئك الفاسدين الكبار كانوا سبباً أساسياً في هذه الأزمة التي تهدد وحدة سورية أرضاً وشعباً، فالفساد هو الذي رفع مستوى الفقر من %30 إلى %44 باعترافاتهم بحسب تقرير الأمم المتحدة ورفع مستويات البطالة، وهم من رفع الدعم عن المازوت مما أدى إلى هبوط الإنتاج الزراعي والصناعي وأرهق المستهلك البسيط ورفعوا مستوى التوتر الاجتماعي الذي أدى إلى انفجار شعبي في 15 آذار 2011، وبعد ذلك الانفجار هم المسؤول الأول عن افتعال الأزمات الأربع العاصفة: المازوت والبنزين والغاز وارتفاع أسعار مواد الاستهلاك الشعبي الأساسية، 

فاسدون هنا وفاسدون هناك، في النظام والمعارضة يجمعهم المال وجيوبهم فقط، متحالفون بحكم المصلحة ومنظومة الرأسمال العالمي وعولمة الفساد علينا نحن الفقراء والمهمشين في الموالاة والمعارضة والحركة الشعبية، دافعو الضرائب وفواتير الحرب المعدة والمدبرة مسبقاً، نحن ضحايا سياسة افتعال الأزمات من فقدان المحروقات وارتفاع أسعار كل ما هو أساسي في الاستهلاك والتفجيرات والإرهاب.

نعم فاسدون كانوا بالأمس القريب داخل النظام في فريق الدردري إخواناً وانتقلوا إلى صفوف المعارضة وعلى إ يقاع الصراع الدامي انشق آخرون فاسدون تاريخياً من الفارس إلى طلاس الإبن و رياض حجاب ومسلسل الانشقاقات داخل النظام مستمر، وحكماً هناك آخرون جاهزون لتبديل مواقعهم طبعاً في توزيعة الحصص الجديدة المرسومة للكعكة السورية، فكلما بدأ الحديث عن مبادرات وحلول للأزمة السورية عبر الحوار بين السوريين دون استثناء أي فريق على قاعدة رفض التدخل الخارجي ورفض العنف والعنف المضاد ورفض الإستقواء على الشعب  صعّد فاسدو النظام والمعارضة الاشتباك الداخلي ونزيف الدم السوري والصراع الطائفي بين أفراد الشعب السوري. 

تعددت الأسباب  والضحية واحد، هو صاحب الجلالة الشعب السوري، وهو ما يسمى شعبياً : « فرق الحساب »، هو مَكسر العصا في الحرب المدبرة مسبقاً من الفاسدين والمتشددين المرتبطين حتماً بالمشاريع والمخططات الأمريكية والصهيونية في المنطقة أينما وجدوا ومع أي طرف وقفوا، وبالتالي الفقراء والمهمشون  من هذا الشعب العظيم والمتضررون الحقيقيون من كل هذا التآمر على الشعب وعلى الشعب وحده،  ومصلحتهم الحقيقية أيضاً هي في التحالف الأساسي والحقيقي مع مؤسسة الجيش الوطنية المخولة وحدها حمل السلاح ضد أعداء الشعب السوري...