الموضوعات.. خطوة على قدر التحديات
إن طرح الموضوعات البرنامجية للنقاش العام هو خطوة هامة ومظهر من مظاهر العصف الفكري الرفيع لتحفيز الآخرين على تقديم ما عندهم، فتكون الإجابة على أسئلة الموضوعات قد وصلت «هذه رؤيتنا فماذا ترون»؟
فبطرح الموضوعات للنقاش العام تأكيد على مسؤولية جميع الشيوعيين السوريين والقوى السياسية الأخرى تجاه الوطن ولأن الوطن يعني الجميع، فهذا يجعل مناقشتها واجباً وطنياً يقع على عاتق الجميع، تنظيمات سياسية، وأفراد مستقلين. أما تجاهلها فلن يقلل من قيمتها الفكرية ورؤيتها المتقدمة، سواء على صعيد المضمون، أو على صعيد الشكل والتوقيت، وخاصة أنها تأتي بالتزامن مع تعمق الأزمة الرأسمالية الحالية، التي على ما يبدو أنها مستعصية الحل، حيث أخذ تعفنها يفتك بمواطني دول المركز ويصب جحيماً على رؤوس الشعوب المستهدفَة ثرواتها لتخفيف حدة الأزمة.
من هنا جاء التأكيد على وجوب ملاقاة الوضع العالمي المستجد، فقد ورد في الصفحة الخامسة تحت عنوان «الاشتراكية وأزمة الرأسمالية» تأكيد على التحرك لملاقاة الوضع العالمي المستجد بتطوير وتفعيل المجتمع لتوجيه ضربة قاصمة للنظام الرأسمالي: (الأزمة.. يمكن أن تتحول إلى أزمة نهائية إذا توفر العامل الذاتي للتعامل مع الظروف الموضوعية التي تنضج باتجاه انهيار النظام الرأسمالي)..
كما يعني طرح الموضوعات للنقاش العام أنها أصبحت ملكاً للجميع، وعليه فإن إبداء الرأي حق للجميع وواجب أيضاً، لأن ما يواجه الوطن من التحديات يستوجب ذلك، فهناك من المسائل العالقة ما يحتاج لجهد كبير وعمل دؤوب، وهو يتطلب انخراط جميع الوطنيين سعياً لإنجازها: الأزمة الرأسمالية وسبل مواجهتها، القضية الفلسطينية، مشروع الشرق الأوسط الجديد والتغلب علية بامتلاك مشروع مضاد هو مشروع الشرق العظيم ووحدة شعوب المنطقة.. التحديات كثيرة وتحتاج لجهود كبيرة..
وكون الموضوعات مشروعاً وطنياً أكثر مما هو برنامج خاص، فإن الجهود المطلوبة لتحقيقه تخص القوى الوطنية كافة، فالتحدي الذي يهدد الوحدة الوطنية يجب مجابهته بتعزيز هذه الوحدة، ما يستدعي (تفعيل طاقات الشعب السوري كلها لزجها في المعركة.. وهذا يتطلب إلغاء نتائج الإحصاء الاستثنائي لعام 1962).
ومن التحديات التي تواجه الوطن غياب الدور الفاعل للقوى السياسية بسبب غياب آليات عملها القادرة على تفعيلها، من قانون أحزاب إلى قانون انتخابات مبني على أساس الانتماء الوطني، ما يجعل القوى السياسية قادرة على النهوض وتمثيل شرائح المجتمع.. والتحدي الاقتصادي بإيجاد نموذج اقتصادي جديد يتوافق مع احتياجات العصر وضرورات المجتمع السوري، وغير ذلك من التحديات التي تواجه المواطنين، وهذا ما عملت عليه الموضوعات.
إن هذه التحديات تستحق المساهمة والتطوير كونها مشكلات المجتمع، ومواجهتها ضرورة تجعل من تماسك المجتمع بغيابه أمراً بعيد المنال نظراً لتدهور الوضع المعيشي للقوى العاملة وسقوط الشريحة الوسطى وتراجعها لتحل مكان الشرائح الشعبية بتراجع الأخيرة إلى تحت خط الفقر، وصولاً إلى الفقر المدقع أو الجوع، وهذا لم يكن ليحصل لولا انتهاج الحكومة سياسة اقتصادية مناقضة لمصالح الغالبية العظمى من أبناء الوطن، ما يهدد تماسك المجتمع بمفاعيل أزمة العمل وما تخلفه بشكل يومي من المعطَّلين، ما يسبب الفوضى والاضطراب وانتشار الجريمة في المجتمع.
ولتعزيز وتنشيط القوى السياسية لتأخذ دورها في المجتمع كان ما طرحته الموضوعات على الصعيد الديمقراطي منسجماً مع بنية النموذج الاقتصادي المأمول، فآليات العمل في ظل الهامش الديمقراطي المطروح تؤمن بيئة صالحة لتراكم المكاسب الجماهيرية على هذا الصعيد، ولكنها تبقى بعيدة جداً عن الظفر بالديمقراطية حسب ماركس في البيان الشيوعي، لأن الديمقراطية هي نظام حكم الأغلبية، وهي تعني حسب الماركسية اللينينية سيادة البروليتاريا وقمعها لأعدائها، أي استعادة حق البشرية بممارسة الديمقراطية المسلوبة منذ قرون، وما كان الهامش الديمقراطي الوارد في الموضوعات إلا فتح نافذة، أو ربما باب تمهيداً إلى مراكمة المطالب السياسية لتحدث تغييرات كيفية في الاتجاه المحدد، لأن البنى الفوقية من مثل هذه التشريعات (قانون انتخابات عصري، قانون أحزاب، إلغاء قانون الطوارئ.. الخ).. ستأخذ شكل حياة خاصة بها، وسرعان ما تكون لها من التأثير على البنية التحتية ما يجعلها تتقدم لتطور البنية الفوقية. ولأن البنية الفوقية تتمتع باستقلال نسبي تؤثر في البنية التحتية، وهكذا هو التأثير المتبادل بين نموذج اقتصادي يتوافق مع احتياجات العصر وضرورات المجتمع، وما يتطلبه هذا النموذج من تشريعات وقوانين تجعل من العمل السياسي نافعاً (ليقطع الطريق على المخططات التي تستهدف وحدة الكيان الوطني والمجتمعي تحت حجة تمثيل «مكوناته الأساسية» أي مكوناته في مرحلة ما قبل تشكيل الدولة الوطنية)، وقد شكل طرح الموضوعات للنقاش العام نقلة نوعية ومتميزة إلى جانب كونها شكلاً راقياً للجدل الفكري، فهي أيضاً شكل راق للحوار يتعدى الخصوصية الحزبية، ليصل إلى مختلف تدريجات الطيف الوطني، ويتعدى ذلك إلى الخصوم السياسيين، وهي رد واضح على الذين يتهمون الشيوعيين بامتلاك الحقيقة واحتكارها، متناسين أن من يعتقد بأن الماركسية هي علم لابد له أن يرى الواقع الموضوعي كما هو على حقيقته، ولن يأتي ذلك إلا بتطبيق هذا العلم وفق رؤية متفحصة لما يستجد من أمور على الواقع المعاش.
إن مناقشة الموضوعات وتطويرها من خلال المشاركة الشعبية وتفعيلها بتبنيها من الطيف الوطني الواسع يمثل عودة الحزب إلى الجماهير وأخذ دوره المطلوب، لأن ما جاء في الموضوعات من رؤى للمسائل الملحة والعالقة يعبر عن هموم الجماهير والوطن، وقد صيغت تظهيراً لما يجول في أذهان الغالبية العظمى منهم، وهي في نهاية المطاف الوجه الأخر لانتخاب قيادة اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين من قبل الجماهير، وهذا شكل متقدم من أشكال ممارسة الديمقراطية في المجتمع .