مارشال السوري!!
من أشد المعضلات التي يواجهها الحراك الشعبي الذي انطلق على أساس من آلامه الاقتصادية والاجتماعية وتدني مستوى الحريات، هو هذا الزواج الكاثوليكي بين الدولة والنظام، فأثناء التسديد على النظام تصاب الدولة، إن الأنظمة تذهب وتأتي إلا أن الزمن اللازم للتغيير التدريجي الديمقراطي السلمي يلزمه وقت أقل بكثير من ذاك الذي يلزم لإسقاط النظام المتشابك مع الدولة ثم إعادة إعمارها من جديد، في حال بقيت هذه الإمكانية متاحة.
إلا أن الطريق الأول يحافظ على السلم الأهلي ويسمح للحركة الشعبية بالتقاط أنفاسها لتتطور إلى حركة سياسية تختط برامجها ووسائلها، ولا تترك آثار طائفية كتلك التي تنتج عن التسلح النفطي الأمريكي، أما الطريق الثاني الذي يريده الغرب لنا فهو طريق إسقاط الدولة، ثم تقديم الديون إثر الديون بحجة إعادة الإعمار والتنمية، لتصبح سورية بسياساتها الاقتصادية الاجتماعية وقرارها السياسي مرتهنة إلى الغرب إلى الأبد.
ليست سورية هي الأولى ضمن مخطط الديون الذي يريد الغرب إيقاع دول العالم الثالث فيه، فبقليل من البحث تجد أن الغرب أوجد حاملين لمشروعه هذا في كل من اليمن ومصر والسودان وليبيا والعراق والصومال، ففي كل هذه الدول تجد جهابذة في الاقتصاد يعملون على طلب الديون والقروض بتعمية على حقيقة الأمور، ويسمون مشروعهم العظيم هذا بخطة مارشال العربية. مقدمين هذه الخطة كما ترد في الأدبيات البرجوازية. وخطة مارشال هي تلك الخطة التي وضعها الجنرال الأمريكي جورج مارشال لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية بهدف دعم البرجوازيات الأوروبية في وجه الأحزاب التقدمية والنقابات العمالية التي قاومت الفاشية والنازية وأخذت على عاتقها مقاومة البرجوازيات كما في فرنسا، إضافة إلى أنهم وجدوا في إعادة إعمار أوروبا الغربية ضرورة في ظل وجود المعسكر الاشتراكي الذي يقدم نموذجاً منافساً.
إن مشروع مارشال الأمريكي تجاه أوروبا جعل هذي الأخيرة في موقع الضعف أمام النفوذ الأمريكي ومكّن الولايات المتحدة من ابتزاز الدول الأوروبية في مناسبات عدة، فكيف تكون إذاً تجاه دولة من دول العالم الثالث لا يرى فيها الغرب سوى مادة يمكن استخدامها لحل أزمته الخانقة، ويؤرقه في الوقت ذاته تصاعد الحركة الشعبية ونشاطها العالي فتحجم عن الاستثمار المباشر وتفضل اللجوء إلى القروض لتصدير رؤوس أموالها واستمرار استغلالها لتلك البلدان.
سورياً، ينسجم هذا الطرح مع الخط السياسي للمجلس «الوطني» الذي يسعى جهاراً نهاراً للدفع باتجاه العنف وتدمير البنية التحتية للدولة سواء بطلبه للتدخل الخارجي أو عبر دفعه للتسلح، لتجهيز المادة الخام، سورية المدمرة، التي بحاجة للقروض لإعادة إعمارها، نطق بهذا الكفر غير مرة السيد أسامة القاضي عضو المجلس الوطني والمدير التنفيذي للشؤون المالية والاقتصادية في المجلس، الذي قال بعد أن أخذ تفويضه من أعضاء مؤتمر «أصدقاء سورية» في استانبول بأنه ومجلسه يحملان لسورية مشروع مارشال اقتصادي لتكون واحدة من الاقتصاديات الصاعدة في المنطقة بعد سقوط النظام على حد قوله..