حول يأس السوريين ومخارج أزمتهم..
بعيداً عن السياسيين من مختلف المشارب والبرامج وأشباهها، من جهة، والمتمسكين ببقايا أوهام الإسقاط أو الحسم، من جهة أخرى، بات المواطن السوري عموماً، بعد عامين ونيف من الأزمة الوطنية السورية الشاملة، يعاني من عوارض يأس وإحباط عامة، تبرز تجلياتها بانعدام تلمسه للحلول الحقيقية لتلك الأزمة
وانتقال حالة القلق المعيشي لديه أو ما كان يسمى بالقلق من المستقبل إلى قلق على استمرار بقائه على قيد الحياة أساساً، فإذا لم يقض بقذيفة قضى بصاروخ، وإذا لم تقتله قناصة أوتوماتيكية أو بشرية مات برصاصة طائشة أو شظية قاتلة أو عبوة أو مفخخة متنقلة في الشوارع، أو تحت الاختطاف الشائع للفدية والتبادل أو إذا لم يتحمل التعذيب في الاعتقال، الخ... وبهذا المعنى بات لسان حاله، مع عدم وضوح المستقبل لديه، ووسط المصاعب المعيشية الحياتية المستجدة والضغوط المادية المستفحلة باطراد، يقول «عيّشني اليوم وموتّني بكرا»..(!) أي الحالة الذهنية النفسية التي تستهدف نشرها واشنطن بالأساس.
في العمق، وإذا كان القلق على استمرار الحياة مرده الصعوبات المعيشية، والنزوح الداخلي والخارجي، وقبلها استعصاء منطق السلاح وممارسات القمع والإكراه لدى متشددي طرفي الصراع بالمعنى الميداني، مع التأكيد على سيادة مشروعية سلاح الجيش السوري في أذهان عموم السوريين في الداخل، فإن ما لا ينبغي إغفاله أيضاً هو قصور أصحاب البرامج السياسية للحل عن الوصول إلى عامة الناس ليكونوا قوة رافعة حقيقية لها. وهذا بدوره يعود إما إلى إعاقة هذه البرامج من كل القوى المتضررة من الحل، داخلياً وخارجياً، أو إلى بقاء هذه البرامج أسيرة الاستقطابات الإعلامية الحادة بثغراتها الكبرى لدى ماكينات الطرفين، داخلياً وخارجياً، أيضاً، بما يمكن أن يسمح للمواطن السوري غير المُستقطب والذي بات يريد الخلاص، أي خلاص، و«وقف العنف» و«إسقاط السلاح»، أن يكون مستعداً للقبول بأية حلول، بما فيها تلك الزائفة والممهدة لصراعات لاحقة أكثر دموية من شاكلة التي تروجها الإدارة الأمريكية ومن والاها بالمنطق والأدوات.
وفيما بات الجمهور المُستقطب بأوهام المواجهات العسكرية يعاني هو الآخر من يأس من نوع آخر مرده استنفاد آفاق هذا المنطق، ولجوؤه للأوراق الدموية الأخيرة لتحسين ما يريده تفاوضاً لا حلولاً وطنية شاملة على طاولة حوار وطني حقيقي وملموس، تبقى تلك المعارضات الخارجية التي تستحوذ على الأضواء الإعلامية فاقدة فعلياُ لأي برامج ملموسة للحل- وذلك لأسباب يتطلب تناولها بحثاً منفصلاً- في حين يبقى على القوى الوطنية أن توضح لعموم الناس في سورية أن المستقبل موجود لأن آفاق الحل قائمة ولكنها تتطلب وقتاً، داخلياً بانسداد أفق العنف والسلاح بوجود مزاج شعبي رافض لهما مع الحب المُثبت لدى السوريين للحياة وتجددها، ودولياً بتبلور توازن عالمي جديد يسمح للسوريين بصياغة نموذجهم الخاص للخروج من الأزمة موحدين أرضاً وشعباً ومواقف وطنية انسجاماً مع موروثهم الحضاري وواقعهم المعاش بالعموم رغم بعض الشوائب، وذلك بعيداً عن كل السيناريوهات الأمريكية، بما يحقق لهم التغيير الجذري والعميق والشامل سياسياً واقتصادياً اجتماعياً وديمقراطياً.