لا صوت يعلو فوق صوت الحل السياسي
ارتفعت نغمة «الحسم» مجدداً في أعقاب التفجير الدامي في منطقة «السبع بحرات» بالعاصمة دمشق، وجاء ارتفاعها ليلبي تماماً، من حيث النتيجة العملية والنهائية، الغرض المطلوب من التفجير ومن التصعيدات الموازية له(!!) وذلك بغض النظر عن نية أو معرفة العازفين على نغمة الحسم
ذلك أن الغرض المباشر من التفجيرات المتتالية ومن الاستفزازات الأوروبية والأمريكية والخليجية ومن الحديث المستمر عن التسليح وعن «الكيماوي»، ومن مؤتمر «أصدقاء سورية» وما شاكله، هو تعميق الأزمة السورية وعرقلة حلها وتأجيله قدر المستطاع ريثما يصل الاستنزاف السوري الجاري عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وإنسانياً إلى الحدود التي يصبح معها مشروع انهيار الدولة وتقسيمها أمراً واقعاً!
إن أولئك الذين لا يريدون لسورية أن تخرج من أزمتها موحدةً أرضاً وشعباً، وعلى رأسهم واشنطن وحلفاؤها، يستندون في الداخل السوري إلى كل من يهدده الخروج الآمن من الأزمة، ويستندون بالذات إلى سلوك الفاسدين الكبار الذين يرعبهم مجرد التفكير بالحل السياسي، فالحل السياسي من حيث الجوهر ضرورة وطنية تمثل مصلحة أغلبية السوريين، على العكس تماماً من الفاسدين الذين زاد غناهم فحشاً خلال الأزمة، والذين لا يمكن لهم البقاء ضمن الخارطة السورية إذا استطاع الوطنيون البدء برسمها من خلال الحوار والحل السياسي. تتجلى عرقلة هؤلاء للحل من خلال سلوك البعض في الأجهزة الأمنية ومن خلال السلوك الإجرامي واللصوصي لميليشيات قوى الفساد التي تتسلق بمجموعها على دماء السوريين وتضحيات الجيش العربي السوري ويطعنونه في الظهر ليل نهار..
إن الاستناد إلى التوازن الدولي وحركته المستمرة التي تؤكد أن الحل السياسي قادم وقريب وأن لا صوت سيعلو فوق صوت الحل السياسي، لا يسمح البتة بالركون والانتظار، لأن ذلك بالضبط ما تريده الولايات المتحدة ومعسكرها، تريد أكبر قدر من المماطلة والتأجيل وبالتالي الاستنزاف واستمرار «إحراق سورية من الداخل». ويضاف إلى ذلك أن تفاعلات الداخل السوري والوقائع على الأرض تؤكد القضايا الأساسية التالية:
الفاسدون الكبار في النظام وفي المجتمع تعاملوا ويتعاملون مع الفاسدين في المعارضة ومع التكفيريين ويعملون على نهب البلد بشكل ممنهج ومدروس، ويعملون على تجريدها من صناعتها وخبرة صناعييها.
الفاسدون الكبار هم بالذات من يعملون وراء الكواليس وفي العلن على تكريس التشدد والمزاودة ومعاداة الحل السياسي، ويستعينون بين الحين والآخر ببعض الشخصيات الإعلامية التي لا تكف عن تعديل المواعيد الكاذبة والمفترضة التي تقدمها لانتصار مفترض..
من الممكن الحوار مع جزء غير قليل من المسلحين السوريين الرافضين لنهج جبهة النصرة والذين طردوها من مناطقهم، ومن الممكن الاستعانة بهم على طرد غير السوريين من البلاد وعزل من بحكمهم، وهذه الإمكانية لا تتحول إلى واقع إلا في مناخ الحل السياسي.
إن ما تناقلته وسائل الإعلام مؤخراً عن الاحتياطات الكبيرة من النفط والغاز السوريين، يجب أن يثير الانتباه إلى أن الدول الاستعمارية الغربية تفضل في حالات من هذا النوع التعامل مع إمارات ضعيفة ومعزولة وليس مع دولة قوية وذات سيادة، ولذلك فإن محاولات تقسيم سورية جارية على قدم وساق، ويبرز بين تلك المحاولات إضافة إلى تصعيد الوضع الأمني المتواتر والتهديدات الدولية والحصار الاقتصادي، تبرز مسالة الإشاعات حول رفع الدعم التي «سربتها» بعض الصحف والمواقع الالكترونية السورية بما فيها صحيفة «الوطن» الخاصة مؤخراً.
إن مجرد الحديث عن «رفع الدعم» اليوم هو عامل توتير إضافي يجب دراسة مقدار براءته، إذ أنه من المعلوم أن الحكومة لم تعلن شيئاً من هذا القبيل، عدا عن كون رفع الدعم يتعارض مع بيانها الوزاري، ويفقدها شرعيتها بالتالي.
إن استمرار الضغط والتوتير على الصعد الأمنية والسياسية والاقتصادية، وارتفاع لهجة الحسم، كل ذلك لن يغير شيئاً في حقيقة أن الحل السياسي يقترب أكثر فأكثر، ولكنه سيرفع باطراد من تكاليف الخروج من الأزمة، بسورية موحدة أرضاً وشعباً، وهو الخروج المقبل، ولو كره الكارهون.