«فيلم أميركي طويل»..
أمين عليا أمين عليا

«فيلم أميركي طويل»..

تتوالى الأيام ويزداد الاحتقان والتصعيد في بلدٍ بات مفجوعاًعلى ما أزهقته البنادق من أرواحٍ لا ذنب لها إلا أنها وُجدت في حلمٍ شاء له البعض أن يغدو كابوساً ثقيلاً. بات المشهد في الشارع السوري وكأنك في مسرحية زياد الرحباني (فيلم أميركي طويل) ولكن مع فارقٍ بسيط، هو أنك لست بمتفرج، بل أنت في قلب الأحداث، حيث تختلط رائحة الدماء بدخان الدواليب المشتعلة، وأحاديث مقيتة بنكهة الطائفية، وخوف على عبوة الغاز التي تحتضر، ولا صوت يعلو فوق صوت الرصاص والعبوات الناسفة والقنابل الصوتية، إلا ذاك الصراخ الذي يضرب في رؤوسنا «ماالحل!؟»..

على التلفاز، نشهد الصخب ذاته ولكن بشكل آخر، فأغلب التحليلات والنقاشات التي يخرج بها أكثر السياسيين من موقع المعارضة أو من موقع النظام، تبذل جهداً في الابتعاد عن مسببات الأزمة، مكتفية بالنواح والنحيب المضجر والمتاجرة بدماء الشهداء وعذابات الناس. وكلما ابتعدنا عن معرفة السبب، ابتعدنا عن طريق الحل وهذا ما يريده البعض ممن ( باعوا روحهم ،وأطاعوا رومهم ).

حلقة مفرغة ..

تزداد الصورة تعقيداً وكأننا في حلقة مفرغة.. الحل الأمني البحت الذي أتحفنا به جهابذة الفساد في النظام للقضاء على المسلحين أو (الجيش الحر)، شمل ما هو أخطر من ضرب و قصف عشوائي وحملات اعتقال لأبرياء كثر (البيئة الحاضنة) بدلاً من احتوائهم والسعي لتحقيق مطالبهم ، فهم السلاح الأمضى في مواجهة كل أنواع «المؤامرات» من تطرف وإرهاب وتدخل خارجي. وإذا ما أعدنا النظر بالأمور على طريقة الخطف خلفاً فسنجد بأن النظام يقوم بضرب  المسلحين الذين حمل جزء منهم السلاح (دون إغفال وجود المرتبطين والمتآمرين) رداً على الحملات العنيفة التي قابلت بها أجهزة الأمن الحركة الشعبية السلمية المعبرة بدورها عن وصول الأوضاع الاقتصادية والمعاشية و الديمقراطية الى مرحلة الانفجار بعد سنوات من إتباع النهج الاقتصادي الليبرالي. وها نحن ندخل طوراً جديداً من الأزمة، فما عادت أصوات بائعي الغاز والمازوت تجوب الأحياء، والغلاء الفاحش يشارك الرصاص المنهمر حربه على كل الناس دون تمييز بين مؤيد ومعارض. ولكن السؤال هو كم نستطيع تحمل هذه الأزمة مع الحفاظ على وحدة البلاد وتماسكها ؟

معارضة «وراء دُر»

إن الغالبية العظمى من قوى المعارضة لا تولي أي اهتمام لمعاناة الناس الحياتية وتصب كل تركيزها على إنزال الشتائم بحق النظام، الذي لا يوفر المدافعون عنه الردود المماثلة، محافظين بذلك على حالة التوتر القائم مع تغييب واضح لأي شكل من أشكال البرامج الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية تحت عبارات براقة و عامة مثل (مجتمع مدني ،حرية، حقوق إنسان..). فتعلو المطالبات بالتدخل الخارجي على لسان المعارضة اللاوطنية، على الرغم من التغيّر في المعادلة العالمية حيث أصبح التدخل العسكري المباشر بحكم الماضي مع عودة الدور الروسي بقوة إلى الساحة الدولية ،إلا أن مجلس اسطنبول ومن على شاكلته لا يوفرون جهداً في استدعاء الخارج أميركياً كان أم أوروبياً، ولا بد هنا من الاعتراف بأنهم نجحوا في جزء مما خططوا له، ليس بـشطارتهم، ولكن لرغبة أطراف خارجية كثيرة بتأجيج الوضع، فجاءت العقوبات الاقتصادية الأوروبية ودخلت  الأسلحة من كل حدب وصوب لتكمل المشهد الدموي، وبالحديث عن العقوبات الأوروبية وفي لقاء مع رضوان زيادة عضو مجلس اسطنبول على قناة الجزيرة، صرح بأنهم أخطؤوا عندما طالبوا بفرض تلك العقوبات لأنها أساءت للشعب السوري أكثر بكثير مما أساءت للنظام، وطبعاً جلَّ من لا يخطئ، ولكنه أردف بثقة بأنهم مستمرون في السعي بكل قوتهم لطلب الحظر الجوي والمناطق العازلة وتسليح المعارضة !

ولربما لن يفيدنا اعتذار رضوان زيادة وشركائه فيما لو تحققت مطالبهم تلك و اكتشفوا في لحظة هدوء وهم في مكاتبهم في الفناء الخلفي للبيت الأبيض أنهم كانوا على خطأ..

من جهة أخرى لاتزال هيئة التنسيق تبحث عن توحيد المعارضة السورية التي لا تراها ممثلة إلا بها و بمجلس اسطنبول، و تدخل الهيئة هنا في دوامة من التناقضات والانفصام بين الشعار المطروح والممارسة، فكيف ستتوحد مع من يرفع راية التدخل الخارجي والسلاح «الثوري»، وهي صاحبة اللاءات الثلاث الوطنية، بالإضافة إلى عدم وضوح موقفها من المجموعات المسلحة (الجيش الحر وما شابهه).

تذهب هذه المعارضات وما شابهها من خلال المؤتمرات والتجاذبات واللقاءات الخارجية، لتقف أبعد ما يكون عن آهات الناس الذين يدّعون تمثيلهم. والغائب الأبرز عن خطابهم هو البرنامج أو الرؤى الملموسة للخروج من الأزمة.

الحل سوريّاً ..

مهما ابتعد البعض من نظام ومعارضة في إقصاء كلٍ منهم للآخر، ومهما شّرقوا أو غرّبوا، فإن الحل الوحيد الآمن للخروج من الأزمة واستعصاءاتها هو من الداخل السوري، هذا ما يجب أن يكون لضمان استمرار وتطور الحركة الشعبية في تحقيق مطالبها والمحافظة على الوحدة الوطنية لسورية أرضاً و شعباً، أو على الأقل هذا ما أثبتته موازين القوى العالمية الجديدة بإيقاف الفيتو الروسي- الصيني للتدخل الخارجي بشكله المباشر. الحل سوريّ فقط ، وذلك بجلوس جميع أطراف الخلاف ( نظام- معارضة- حركة شعبية) على طاولة حوار مستديرة يطرح فيها كلٌ رأيه، متجهين إلى مصالحة وطنية شاملة على نطاق البلاد على أساس محاسبة كل من تسبب بإراقة الدماءف السورية، درءاً لأخطار أخرى ،جميع السوريين بغنى عنها..