لماذا لقمة الشعب خطر أحمر؟
هاشم اليعقوبي هاشم اليعقوبي

لماذا لقمة الشعب خطر أحمر؟

بات من الواضح والجلي أن الهجوم على لقمة الشعب السوري، ووسائل إنتاجها، هو هدف ثابت ومستمر للعديد من القوى، بعضها خارجية والأخرى داخلية.

فأما الخارجية منها فهي القوى الإمبريالية التي يعد من أولوياتها أهداف إخضاع الشعوب ونهب ثرواتها ومصادرة قرارتها. فمنذ منتصف القرن الماضي، ونتيجة للتحولات السياسية والتاريخية التي رشحت عن الحرب العالمية الثانية، نهضت القوى الوطنية والشعبية في بلدان العالم الثالث بوجه الاستعمار فتصدت له وحققت استقلالها الوطني. وفي المقابل لم تتخلَّ هذه القوى الاستعمارية عن استراتيجياتها، بل غيرت تكتيكاتها وأدواتها لتتحول لنوع آخر من الاستعمار والهيمنة، هو الاقتصادي، مستفيدة من بقاء يدها على مراكز الطاقة الرئيسية من جهة، وامتلاكها لتفوق سياسي عسكري وعلمي كبير. فاستمرت بسياساتها المتركزة على إفقار الشعوب عن طريق كبح تطورها الاقتصادي والسياسي..

 ولم تكن سورية إلا واحدة من هذه الدول، بل وكانت في طليعتها من ناحية مقاومة شعبها لهذه السياسات، ورفضها الخضوع وبيع قرارها السيادي الوطني، إلى أن استطاع الغرب فرض وصفته عليها من خلال قوى الفساد التي نشأت داخل جهاز الدولة واستطاعت فرض برنامجها الليبرالي في السنوات العشر الماضية ما أدى إلى عواقب وخيمة اقتصادية وسياسية، أثرت بشكل كبير على لقمة هذا الشعب.

 ومع بدء الأزمة السورية المركبة والمعقدة، سارع الغرب بفرض العقوبات الاقتصادية، محطما أرقاماً قياسية بعددها، وسرعة إقرارها وتنفيذها، مستفيدا من نشوب الأزمة، وممارسات قوى الفساد في النظام، فسماها عقوبات على النظام، لكنه كان قاصداً متعمداً لقمة الشعب قبل أي شيء آخر، كي يتسنى له فرض سياساته عليه في مرحلة ما بعد الأزمة.

أما القوى الداخلية المتمثلة بقوى الفساد في النظام فقد استثمرت جهاز الدولة والمفاصل الأساسية فيه، للسيطرة على الثروة، واستطاعت هذه القوى من خلال ذلك أن تؤثر بشكل كبير وفاضح على لقمة هذا الشعب، قبل الأزمة وبعدها. فبالرغم من استمرار الأزمة وزيادة حجم الضغوطات الخارجية، لم تكتفِ القوى الفاسدة بما تمارسه، بل زادت من حجم نهبها وتلاعبها، وتحالفت مع تجار الأزمة من أجل زيادة الضغط على المواطن، من خلال لقمة العيش، وتقاطعت في الأهداف مع قوى أخرى تحمل السلاح وتصادر وتنهب من لقمة الشعب، بل وتضرب وتفجر وسائل إنتاج لقمة الشعب بكاملها، من مواد خام وصوامع ووسائل نقل وبنى تحتية أخرى..

وكما يقول المثل (حر اللقمة حر الكلمة) كان لابد من الدفاع عن لقمة الشعب، لحماية معيشة المواطن من جهة، وإعطائه حرية الاصطفاف السياسي من جهة أخرى. لذا فإن كل التراكمات المذكورة، القديمة منها والمستجدة، خلقت موضوعيا المناخ اللازم لتحرك الشعب للدفاع عن لقمة عيشة من خلال تحشيد ذاته ليتحول لقوة ردع شعبية هامة على مسرح الأحداث، فأوجد شعاره «لقمة الشعب خط أحمر» وهو بذلك ربط فعليا ما بين النضال المعيشي والنضال الوطني، لأنه حينما يتصدى لأعداء لقمته فإنه يضع أعداءه، في الداخل والخارج، في بوتقة واحدة.

إن لقمة الشعب خط أحمر على الجميع دون استثناء، أيا كان تموضعه السياسي ونفوذه. وعندما تكون لقمة الشعب خطاً أحمر، فإن قراره السياسي سيكون خطاً أحمر أيضاً، لأنه ما من انفصال بين لقمة الشعب وكلمته. وإذا كانت بعض القوى تحاول جاهدة أن تفرض سياساتها من خلال الضغط على معيشة المواطن آملة بذلك التحكم بمزاجه السياسي، فهي لن تقوى على الاستمرار بذلك، لأن الشعب له خطوطه الحمراء، بدءاً من الصراع مع العدو الاسرائيلي كخط أحمر ثابت، إلى لقمة الشعب..