محاولات سرقة الحركة الشعبية
عدسة قاسيون

محاولات سرقة الحركة الشعبية

يتوقف النقاش حول ما تثبته الحياة، وكثيرة هي الأمور التي بات لا بد من توقف النقاش حولها في الشأن السوري، فعندما يتعلق الأمر بالنشاط السياسي لشعب ما، يصبح ثمن كل تجربة دم الآلاف، ويصبح من الضروري حقناً للدماء أو ترشيداً لها أن نستفيد من تجارب الآخرين، أو على أقل تقدير أن نستفيد من تجاربنا في الأزمة السورية ذاتها، ومناقشة المعيقات التي تحول دون تحول الحراك الشعبي إلى فعل ثوري تقدمي، وكل القوى التي تمنع هذا التطور الطبيعي الذي يُفترض أن يرتكز إلى ( تجربة -استنتاج نظري- تجربة جديدة)، ومن يدفع الشعب لتكرار نفس التجربة مراراً وتكراراً هو مسؤول أيضاً عن إهراق الدم السوري دونما طائل.

التستر على الليبرالية الاقتصادية:

يتناسب مستوى الحريات السياسية التي يتيحها نظام ما متناسباً بالضرورة مع نمط توزيعه للثروة، وهذه القانونية تحكم ليس النظام الحالي وإنما ما قبله وما بعده، القانونية التي يمكن تكثيفها بالقول: إن النظام سيتيح من الحرية بقدر ما سيتيح من الثروة للشعب وبقدر ما تخدم ( أو لا تخدم) سياساته الاقتصادية مصلحة الأكثرية بالمعنى الطبقي..

أثبتت الحياة أن النهج الليبرالي الاقتصادي لا يمكن له أن يعيش في بلدان العالم الثالث إلا بمستوى شديد الضيق من الحرية السياسية عكس ما يشيعه المتنطحون على القنوات الفضائية تحت يافطة المعارضة مستغلين قلة خبرة الشعب السياسية ليطرحوا كلمة الليبرالية بمعناها الحرفي الذي يعني الحرية، دون أن يقدموا كشف حساب لمدى الفقر والفاقة الذي تسبب به الليبراليون بحق شعوبهم في كثير من البلدان من تونس إلى مصر وصولاً إلى سورية التي حثت الخطا باتجاه ما سمي اقتصاد السوق «الاجتماعي» حتى وصلت البلاد إلى هذا المستوى من التأزم. وبالتالي يكون إغفال طرح القضية الاقتصادية هو محاولة لجعل غيوم الحركة الشعبية تمطر في أرض أعدائها، كما أن إيهام الناس بأنها قضية مؤجلة هو خيانة لروح الحركة الشعبية التي لا يخفى على أحد أن أسبابها اقتصادية-اجتماعية وسياسية، وبالتالي يكون على رأس أهدافها التغيير باتجاه نظام يضمن للمواطن الحياة الكريمة.

تغييب إرادة الشعب وممارسة الـ «شحادة السياسية»

خلافاً لما يريده الشعب الذي رفع شعار «الشعب السوري ما بينذل» تسعى بعض القوى إلى مجرد تغيير «طرابيش» السلطة، وتتسابق لتشحد من بلدان الغرب وتتوسلها أن تنقل السلطة إليها مقدمة كل فروض الطاعة من وعود بسلوك دروب التفاوض لاستعادة الجولان، إلى قطع العلاقات مع حزب الله، ووعود بتغيير السياسات الإقليمية، في محاولة منها لإخفاء  برامجها الحقيقية التي لا تختلف عن سياسات النظام كثيراً في الجانب الاقتصادي في التوجه إلى اقتصاد السوق الحر.. إن إخفاء هذه القوى لبرنامجها الاقتصادي يجعل كل كلام لها عن الحرية مجرد هذيان كلامي وشعاراتي يلعب على أوتار عواطف الناس الملتهبة واحتياجاتهم دون أن يكترث لإرادة الشعب الحقيقية الذي يريد من الحرية تغييراً عميقاً في حياته المعاشية، وبالتالي تضطر هذه القوى إلى منع الشعب أن يختط برنامجه الخاص المناقض لمصالحها، وتستمر باستغلال عدم الخبرة السياسية للهيمنة عليه من خلال مكنة إعلامية هائلة تخدم هذا الهدف.

يبحث الشعب عن مراكز قوته فيصور له ساسة قنوات النفط أن مركز قوته يكون بالانتماء لأكثرية طائفية وتغيّب عنه حقيقة أن الانتماء الطبقي وحده قادر على حشد %90 من الشعب في وجه ال %10 الفاسد لقلب موازين القوى، كما تصور له أن النظام هو صاحب القوة المطلقة ولا مجال لزحزحته عن سياساته بقوى الشعب الذاتية وأنه لا بد من الاستقواء بالخارج مصورة أن التأخر بالتدخل الخارجي يسبب نزيف الشعب أكثر فأكثر معتمدين على انجرار النظام إلى الإفراط بالحل الأمني وقصف المدن عشوائياً، متناسين أن حلهم هذا هو انتقال من تحت الدلف إلى تحت المزراب، وكما تقول أمثالنا الشعبية لم نمت لكن رأينا من ماتوا قبلنا..