الحركة الشعبية  بين الثورة والثورة المضادة

الحركة الشعبية بين الثورة والثورة المضادة

السمة الأساسية للعصر الراهن هي اندلاع وظهورالحركات الشعبية عالمياً كأحد مقدمات انتعاش ونهوض الحركة الثورية العالمية وانسداد الأفق أمام الرأسمالية كنظام اقتصادي اجتماعي وسياسي وثقافي هذه الحركات الشعبية التي بدأت تنتشر بشكل واضح منذ عام2002  في امريكا اللاتينية وعام 2008 في أوروبا وعام 2011 في العالم العربي والشرق الأوسط وتختلف الحركات الشعبية التي ضربت المنطقة العربية عن المناطق الأخرى بسبب حجم التناقضات الداخلية والخارجية  التي زادت من تعقيد الطابع الذي اتسمت به هذه الحركات مما وضعها منذ الشهور الأولى لظهورها في حالة مد وجزر بين الثورة والثورة المضادة دون حسم. 

نيويورك 1861:

ثار فقراء نيويورك عام 1861 احتجاجاً على سوق أبناء الفقراء للحرب دون أبناء الأغنياء وسيطروا على معظم أحياء المدينة عندها هرع المخبرون إلى محافظ نيويورك لإخباره بالتمرد الحاصل في المدينة فقال المحافظ كلمته المشهورة :«من السهل تجنيد نصف الفقراء لقتل النصف الأخر» وهذا ما حدث عندما قام رجال العصابات بضرب قوميات المدينة ببعضها واجهضوا ثورة الفقراء بتحويلها إلى ثورة مضادة عبر العنف القومي المصطنع وتدخل بعدها الجيش الأمريكي لإخماد ما تبقى من الاحتجاجات وهذا يثبت أن بين الثورة والثورة المضادة شعرة ويمكن دفع الحركات الشعبية في أحد هذين الطريقين

ماذا يحدث في سورية:

ستة عشر شهراً عمر الحركة الشعبية في سورية ولا يزال يتم دفع هذا الوليد باتجاهين دون القدرة على حسم الطريق التي ستسلكه الحركة الشعبية أياً ان كانت نتيجة التغيير تفضي إلى ثورة أم ثورة مضادة على ان جهود حيتان المال من طرفي الأزمة السورية تلتقي في الهدف وهو اجهاض الحركة الشعبية التواقة الى التغيير ديمقراطياً واقتصادياً اجتماعياً ووطنياً ودفعها باتجاه الثورة المضادة عبر ضرب المكونات الطائفية والاثنية ببعضها في سورية وبالتالي اشغال الكادحين عن المهمة الاساسية «التغيير والتحرير» واستمرار نزيف الدم السوري في غير محله من أجل الحفاظ على المصالح الطبقية لحيتان المال وهذا خيانة للحركة الشعبية وللشهداء الذين سقطوا من أجل التغيير وحتى خيانة بحق الوطن ،حيتان المال والكومبرادور في طرفي الأزمة يتصارعون على السلطة عبر تصعيد العنف والعنف المضاد ويستمر سقوط الضحايا من الطرفين في دوامة هذا الصراع.

إن كانت الحركة الشعبية السلمية والفضاء السياسي الجديد من مقدمات ظهور الحركة الثورية في البلاد فإن العنف والعنف المضاد الذي يتم تصعيده طائفياً من مقدمات الثورة المضادة التي يصنعها ممثلو قوى الفساد والليبرالية في الداخل والقوى الاستعمارية التاريخية في الخارج

كلما نزف الدم السوري في غير محله أكثر تزداد حساباتهم البنكية وكلما ابدعوا في صناعة الثورة المضادة تزداد فرص حصولهم على مكاسب سياسية في معركة الصراع على السلطة.

الحدث السوري بكل تعقيداته أثبت بأنه بين الثورة والثورة المضادة مسافة مقدار شعرة ويمكن دفعه - ولو مؤقتاً - بشكل نهائي باتجاه الثورة المضادة اذا ما استمرت دوامة العنف والعنف المضاد