الموضوعات البرنامجية.. وتحقيق المهام

الموضوعات البرنامجية.. وتحقيق المهام

شكّل إطلاق ميثاق الشرف بارقة أمل لكثير من الشيوعيين، وإن كان اليأس قد دفع معظمهم وقتئذ لإطلاق الكثير من عبارات التشكيك بجدوى العملية، ولكن الممارسة المتميزة وعودة الحزب إلى الشارع أدّيا إلى التحاق الكثير من الشيوعيين  بالحركة المتسارعة يوماً بعد يوم، وتأتي الموضوعات البرنامجية في هذا السياق استكمالاً وتطويراً لما بدأه الميثاق والاجتماعات الوطنية المتتالية -خلال عقد من الزمن- من صياغة للرؤية والمهام، سعياً «لاستعادة الحزب لدوره الوظيفي واعتراف المجتمع وخاصة الطبقة العاملة به كقوة تمثلهم».

 

إن مشروع الموضوعات قدّم نقداً واسعاً للجوانب الجوهرية في الواقع السوري، وطرح جملة من البدائل، وضمناً سبل بلوغها، مع إدراك حقيقة أن المهام ليست سهلة ولسنا أمام فانوس علاء الدين، إنما يكون الاقتراب من تحقيق أي مطلب أو البعد عنه، مرتبطاً إلى حد كبير بوزن هذا المطلب في الشارع، الذي يتجلى من خلال الكتلة البشرية التي تعي هذا المطلب  كمطلب ملح، واستعدادها للفعل تجاهه، إضافة لوجود حزب شيوعي حقيقي يقود هذا النضال العفوي إلى انتصار جذري، فكيف نزيد من وزن هذه الموضوعات البرنامجية في الشارع؟ إن توجه الشيوعيين لتوحيد حزبهم، وعملهم على التحالف مع القوى النظيفة في المجتمع هو السبيل إلى ذلك.

مهام الشيوعيين.. والتحالفات

إن تحقيق الشيوعيين لمهامهم يتطلب منهم تعبئة الجماهير، والبحث عن التحالفات المبدئية المناسبة التي تدعم حراكهم، ولعل عدم التطرق إلى هذا الأمر في الموضوعات بشكل مباشر، يرجع إلى الاعتياد على مناقشة أمر التحالفات في إطار الانتقاد للعمل الجبهوي وأمراضه، وهو أمر أنجز في إطار صياغة رؤية الحزب منذ الميثاق، ولئن كان هذا جانباً من الأمر، وتجربة تم الاستفادة من إعادة تقييمها، إلا أنه قد آن الأوان للنظر إلى أشكال التحالفات القادمة المطلوبة، والبدء بوضع تصور حولها، الأمر الذي لم تغفل عنه اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين (الحوار الوطني في فندق البلازا نموذجاً)، لكن لابد لنا في هذا الصدد من التركيز على إيجاد جميع نقاط الارتكاز الداخلية الممكنة، للتوجه إليها جميعاً، والبحث عن مركز الثقل ضمنها، وفي إطار ذلك نجد أن الطيف السياسي الوطني الموجود في البلاد اليوم يتألف من شخصيات وطنية لها بعض المريدين، وحركات سياسية ضعيفة الفاعلية داخل الجبهة وخارجها، وفعاليات نقابية مختلفة.

تمثل الحالة الأولى حالة هشة لا يمكن التعويل عليها لأنها تحمل من ذاتية صاحبها الكثير ومعرضة للانهيار وتغيير مسارها في أي وقت، وعندها يضيع الأتباع ويقفلون عائدين إلى بيوتهم، أما عندما نتحدث عن الحركات السياسية فنجدها تفتقد للقاعدة الجماهيرية وأحيانا للحد الأدنى من القاعدة التنظيمية التي تسمح بتسميتها حزباً، وذلك نتيجة تخلف برامجها وخطابها السياسي عن مصالح الجماهير الواسعة، وإن كانت يد اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين ممدودة دائماً لكل من يصطف مع مشروعها الوطني.

لكن يبقى السؤال أين نكثف جهودنا؟ وإلى أين نتوجه أولاً؟!

لا شك أن النقابات هي المكان الأمثل الذي يتم فيه تجميع موضوعي لقاعدة الشيوعيين الاجتماعية (الطبقة العاملة)، وقد بدأت بشائر العمل تظهر فيها بين حين وآخر، ولئن كانت هذه النقابات قد فقدت الكثير من استقلاليتها عن أجهزة الدولة، وعملت بعض القيادات النقابية البالية على اغتيالها ومازالت، متسببة بفقدان العمال لثقتهم بتنظيمهم النقابي، إلا أن ابتعاد الدولة عن دورها السابق وتخليها عن القطاع العام وسحبها لكثير من المكتسبات التي حققتها الطبقة العاملة عبر نضالها الطويل، يدفع معظم العمال والنقابيين للدخول في صراع تناحري مع المسؤولين عن التخريب الحاصل في الاقتصاد الوطني، ويعمق عملية الفرز ضمن قيادات النقابات والعمال، الأمر الذي دفع العمال إلى الانطلاق إلى أشكال ملموسة من النضال، ولعل حدوث العديد من الإضرابات في الآونة الأخيرة خير دليل على ذلك، مما يتطلب مواجهة الشيوعيين لهذا الاستحقاق والتواجد مع هذه التحركات جنباً إلى جنب، ورفع سويتها إلى المستوى السياسي المطلوب.

لقد ورد في الموضوعات مطلب يقول «... بإعادة النظر بكل القرارات التي تمثل تراجع عن المكاسب المتحققة للطبقة العاملة والفلاحين وسائر الكادحين خاصة قانون العمل بنسخته الأخيرة، ودعم حق الطبقة العاملة في الدفاع عن حقوقها وصولاً إلى حقها في الإضراب»، لكن لابد إلى جانب ذلك من طرح «تعزيز استقلالية النقابات»، لذا اقترح أن يرد في الموضوعات الموضوعة التي وردت في اجتماع وطني سابق حول النقابات «العمل على تأمين استقلالية النقابات عن أجهزة الدولة وصيانة حقوقها دستورياً».

إن استقلالية النقابات وعملها ضمن إطار قانوني أمر على قدر عال من الأهمية، لكن الجدير بالذكر أن المؤتمر التأسيسي للحركة النقابية في سورية كان مؤتمراً سرياً، واستمر عمل النقابات لأمد طويل في ظل قوانين تمنع تأسيس النقابات وتمنع حق الإضراب، هذا في زمن لم تكن فيه الطبقة العاملة قد تبلورت بعد، فماذا عن اليوم في ظل التوجه النيوليبرالي؟! الفريق الاقتصادي مصر على تجريب المجرب الذي أثبت فشله، فلنجرب نحن ما ثبت نجاحه.