مهام الشيوعيين على الجبهتين الفكرية والإعلامية
نقرأ في فقرة مهام الشيوعيين من مشروع الموضوعات، الموضوعة 28، أنّ أحد معاني الدور الوظيفي هو «.. استعادة الشيوعيين لمواقعهم التي يجب أن تكون متقدمة ﻓﻲ اﻟﻤﺠال المعرفي – الفكري كي يستعيدوا قدرتهم على جذب أكثر العناصر طليعية ﻓﻲ المجتمع- كما أن ظروف الحياة المعاصرة ﻓﻲ الصراع الحاد والشديد الذي تشهده على الجبهة الإعلامية مع قوى الامبريالية ومختلف حلفائها، تتطلب إيلاء أهمية خاصة لهذا اﻟﻤﺠال للوصول إلى تكافؤ معيّن يساعد على تطوير المعركة العامة بالاتجاه المطلوب».. بناءً على ذلك أقترح فيما يلي بعض الأفكار حول الأدوات التي يمكن أن يستعملها الشيوعيون في نضالهم على الجبهتين الفكرية والإعلامية.
أولاً: على الجبهة المعرفية – الفكرية:
التفسير الصحيح للواقع شرط ضروري لتغييره على نحو صحيح، ولذلك يعتبر النضال الفكري- المعرفي من أرفع مستويات النضال. والحركة الشيوعية العالمية وهي مقبلة على طور الصعود، تفرض عليها الضرورة تجاوز الركود والقصور المعرفي الذي ساد خلال مرحلة التراجع. ولكي يكون الشيوعيون السوريون شريكاً فعالاً يتبادل مع شيوعيي العالم الخبرات النضالية على هذا المستوى، لابدّ أن يعملوا على توفير ما يلزم من إمكانياته وأدواته.
وأقترح في سبيل ذلك أن ندرس جدياً فكرة إقامة مركز وطني للأبحاث الماركسية، يشرف عليه متخصصون من الشيوعيين السوريين، ويتبنى رؤية طبقية، ويعتمد في أبحاثه (من دراسة، وترجمة، وتأليف) المنهج العلمي المادي الديالكتيكي للبحث في التراث الفكري الماركسي الكلاسيكي، وتطويراته اللاحقة، وصولاً إلى مواكبة الإنتاج الفكري العالمي في هذا المجال. وذلك ليس بالمشروع البسيط، ولكنّه ممكن الإنجاز بتوحيد جهود الشيوعيين السوريين لتجاوز التحديات المادية والتقنية الكبيرة التي يفرضها مشروع كهذا، مستفيدين من الميزات البشرية الموجودة عند أجيال الشيوعيين وجميع الوطنيين الشرفاء (فمِن الأكبر سناً الخبرة النضالية التاريخية الطويلة، ومن الشباب مهارتهم في استخدام التقنيات ووسائل الاتصال الحديثة ..)، وفي النهاية يبقى هدف العلم خدمة الممارسة العملية، ويجدر بالشيوعيين أن يكونوا منارةً للفكر العلمي الأكثر تقدماً، ورواداً في التطبيق الإبداعي للعلم الماركسي على ظروفنا المحلية الملموسة، بما يخدم مصالحنا الوطنية والطبقية.
ثانياً: على الجبهة الإعلامية
أكّد التقرير العام المقدم أمام المؤتمر 12 للشيوعيين السوريين أنّ «مركز الثقل يجب أن ينتقل إلى الممارسة بعد أن أنجزنا من حيث المبدأ صياغة الرؤية والخطاب، آخذين بعين الاعتبار طبعاً أن هذه الصياغة تبقى مهمة مستمرة لانهائية.. بسبب التطورات التي تفرضها الحياة..». وسوف أتناول هنا عملية إرسال الخطاب المصاغ إلى الجماهير باعتبار هذه العملية جزءاً من الممارسة التي يجب حالياً أن ننقل مركز الثقل إليها.
تقوم اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين بإرسال مضمون خطابها بعدة أشكال: عبر الرفاق الناشطين بين الجماهير بالشكل المحكي للتواصل الاجتماعي المباشر، وعبر جريدة قاسيون في شكل مقروء ورقياً، وعبر موقع قاسيون في شكل مقروء الكترونياً، مع قليل من المسموع والمرئي. وقد طرح المؤتمر 12 للشيوعيين السوريين فكرة زيادة عدد صفحات الجريدة إلى 16 صفحة أسبوعية، ولا شكّ أن ذلك سيكون تطويراً للخطاب المقروء ورقياً.
ما أقترحه على الرفاق في هذا المجال هو أن ندرس إضافة إلى ذلك تطوير أنواع أخرى لإرسال الخطاب إعلامياً، خاصّة عبر وسائل الإذاعة والتلفزة، لأنها الوسائل الأكثر متابعة شعبياً، وعبرها نصل لعدد أكبر من جماهير الكادحين وخصوصاً أنّ الطبقة العاملة السورية، التي أتفق أنّها من جهة الهدف الرئيسي لخطابنا، كونها القوة الحقيقية صاحبة المصلحة في ممارسة التغيير المطلوب، وأنها من جهة أخرى أضعف من بروليتاريا الدول المتقدمة رأسمالياً من حيث وعيها الطبقي ومهارتها العلمية والتقنية، فضلاً عن فقرها، وجميعها أمور تعيق وصولها المنتظم لخدمات مثل الإنترنت، التي ما تزال رديئة من حيث الجودة والكلفة والانتشار في بلدنا. أما القراءة فهي في تراجع مستمر، وخاصةً مع ازدياد تأثير وسائل الإعلام الأوسع انتشاراً من فضائيات وإذاعات، وأغلبها محتكرة أو مسيّرة من القوى الإمبريالية التي تبث عبرها الأكاذيب والسموم والأوهام المدمّرة.
إنّ ضرورة سيطرة الطبقة العاملة على السلطة وإقامة ديكتاتوريتها من أجل بناء الاشتراكية، هو أحد القوانين الثابتة في الماركسية، وما يزال ساري المفعول، إلا أنه اليوم يعمل في شروط أكثر تعقيداً، فعلى سبيل المثال تستطيع اليوم حفنة من البرجوازية الكبرى استخدام أحدث التقنيات أن تضخّم سلطتها الإعلامية ملايين المرّات لتتغلب على التفوق الكمي لجماهير الشغيلة. لذلك فإنّ تحقيق اختراق على مستوى السلطة الإعلامية وامتلاك الأسلحة غير التقليدية في النضال على هذه الجبهة قد يلعب اليوم أكثر من أي وقت مضى دوراً تاريخياً حاسماً، وعلى الشيوعيين السوريين أن يسهموا بدورهم في هذا المجال الذي يستحق الدراسة والنقاش، لعلّ ذلك يصب في إنجاح مهمتهم الحالية في إقرار الموضوعات البرنامجية بما يقربنا من إعادة بناء حزب شيوعي سوري موحد يمارس دوره الوظيفي الوطني والطبقي في حياة البلاد.