الحراك الشعبي كإحدى أدوات التغيير
ورد في مشروع البرنامج المقدم للمؤتمر الحادي عشر تحت عنوان الرؤية: «مرت الحركة الثورية العالمية بطور تقدم شغل النصف الأول من القرن العشرين، تلاه طور تراجع عام خلال النصف الثاني منه. وأدى هذا التراجع الذي بلغ ذروة انحداره في عام 1991 بانهيار الإتحاد السوفييتي إلى انغلاق الأفق التاريخي مؤقتاً أمام الحركة الثورية وانفتاحه مؤقتاً أيضاً أمام قوى الإمبريالية العالمية خلال النصف الثاني من القرن العشرين»
لقد كان الحراك الشعبي أحد العوامل المحركة للانتصارات التي حققتها الحركة الثورية العالمية في النصف الأول من القرن العشرين، لكن زخم هذه الانتصارات تراجع خلال النصف الثاني من القرن الماضي، ومنذ أواسط سبعينيات القرن العشرين أشار الشيوعيون السوريون إلى تحول رأس المال الطفيلي إلى قوة مادية، من خلال تحالفه مع البيروقراطية المنبثقة عن جهاز الدولة، وتعزز دور هذا التحالف مع صدور قانون الاستثمار رقم /10/ لعام /1991/، وفي العقد الأخير من القرن الحالي ومع تبني السياسات الاقتصادية الليبرالية وخاصة سياسة «اقتصاد السوق الاجتماعي» فقد ازدادت خطورة هذه السياسات التي أدت إلى زيادة تمركز رؤوس الأموال بأيدي حفنه من الليبراليين، مقابل إفقار متزايد لمعظم فئات الشعب، كذلك فقد كان لهذه السياسات آثار كارثية خطيرة على الاقتصاد الوطني وعلى مصالح الطبقة العاملة، وبدأ أركان «الليبرالية الجديدة» يعدون أنفسهم للسيطرة على القرار السياسي وإلحاق الاقتصاد السوري بالغرب الرأسمالي.. إن تطبيق هذا النهج الليبرالي في المنطقة وفي سورية تحديداً، إضافة إلى ضيق الهامش الديمقراطي وغياب قنوات التعبير، كل هذه العوامل مجتمعة أدت إلى انفجار الحراك الشعبي في آذار عام 2011.
مفهوم الحراك الشعبي
يعتبر الحراك الشعبي كإحدى أدوات التغيير، ويتمثل في مجموعة من القوى والفعاليات السياسية والفكرية والاقتصاديةـ الاجتماعية، الهادفة إلى التغيير السلمي الجذري والشامل للبنى السياسية والاقتصاديةـ الاجتماعية القائمة التي أصبحت معيقة للتطور ومصدراً للأزمات المتوالية، ويتخذ هذا الحراك أشكالاً تنظيمية متنامية ومتصاعدة ومركزة تتناسب طرداً مع تطور الحراك.. هذا الحراك يقوم على مجموعتين من العوامل:
• عوامل ذاتية: تتمثل في قيام القوى الوطنية الثورية بتقديم برامجها ورؤاها من خلال الإحداثيات الوطنية والاقتصاديةـ الاجتماعية والديمقراطية والمنطلقة من الضرورات.
• عوامل موضوعية: تتجلى في وصول التناقض الرئيسي بين الفئات المسيطرة والناهبة وبين الفئات المهمشة والمستغلة إلى نقطة حرجة تصبح عندها الظروف الموضوعية ناضجة لحسم هذا التناقض لمصلحة الكادحين والمنتجين.
القوى الاجتماعية للحراك الشعبي:
أ ـ الأحزاب الوطنية الثورية: تقوم بدور الموجه للحراك على أسس وطنية واقتصادية ـ اجتماعية وديمقراطية، وتنطلق في نضالها من خلال قراءة الواقع الموضوعي في البلاد ومن ثم تفسيره، وبموجب هذه القراءة يتم تحديد وتحليل الظواهر المختلفة، وبناء على ما سبق يتم وضع استراتيجية للتغيير تنبثق عنها سياسات مرحلية.. هذه الاستراتيجية تقوم بحشد الإمكانات المعرفية والمادية كافة اللازمة لإنجاز التغيير الجذري والشامل.. هذا التغيير نفسه يكون موضع دراسة ومتابعة دائمة ضمن جدلية (الثابت والمتغير) لمواكبة التطور ووضع هذا التغيير كنواة صلبة قابلة للتجديد الدائم.
ب ـ العمال والكادحون: يقوم العمال بدور فاعل في الحراك بحكم ارتباطهم بوسائل الإنتاج التي تتطور باستمرار مستفيدة من الثورة العلميةـ التكنولوجية، وبالتالي تتطور معارفهم وخبراتهم ووعيهم الطبقي، كذلك فإن الاستغلال الطبقي يفرض على العمال نوعاً من التنظيم الاجتماعي الذي يعطي الطبقة العاملة دوراً مهماً في المجتمع، إضافة إلى الوعي الذي كرسته الممارسة بأن تحرر الطبقة العاملة من الاستغلال لن يتحقق بدون حراك شعبي واسع يحرر جميع فئات المجتمع المضطهدة.
ج ـ الشباب: تشكل فئة الشباب المهمش وقود الحراك وطليعته، هذا الشباب امتلك وعياً ثقافياً متقدماً قياساً على وضعية «التهميش» التي فرضت عليه، هذه الفئة كانت ضحية نظام تعليمي علمهم ولم يوفر لهم شروط العمل والكرامة، هؤلاء الشباب وجدوا في وسائل الاتصال الجديدة أفقاً جديداً للتعبير عن الذات والتواصل الاجتماعي، هذه الوسائل خلقت «مجالاً حيوياً» جديداً لا يتطلب جرائد ومقرات، مما ساعد على تقليص المسافة بين النظرية والممارسة وبين الشعار والتنظيم.. هذا الشباب عمل على تحطيم ثنائيات كثيرة وهمية وملتبسة وحققوا انفتاحاً على الجموع المنخرطة في الحراك الشعبي، وبالتالي حققوا اختراقاً لكل ما هو مألوف وتقليدي.
دـ المرأة: كان للمرأة حضور لافت في الحراك سواء من حيث المواقع والصحف الإلكترونية، أو من خلال الجهود التنظيمية لتحريك المجاميع، مما يؤكد أن التغيير حاجة كلية وأن المرأة أكبر مستفيد من التغيير، وخاصةً إذا لامس هذا التغيير البنية الذهنية الذكورية السالبة لكرامة وحقوق المرأة، لذلك فإن مشاركة المرأة في الحراك كان ضرورياً لإسقاط منظومة من المفاهيم والممارسات التي فرضت وصاية مقيتة على كيانها.
هـ ـ الجيش: باعتباره الضامن الرئيسي لوحدة وسيادة البلاد كونه مؤسسة وطنية، لذلك فإن استهدافه ومحاولة استنزافه من خلال خلق عداء وهمي بينه وبين الحراك الشعبي هو بالنتيجة يصب في مصلحة المتضررين من هذا الحراك. الحراك الشعبي والتلازم العضوي بين البيروقراطية والليبرالية والفساد استناداً إلى قراءة وتفسير الواقع الموضوعي في البلاد، يتبين لنا أن هناك تلازماً عضوياً بين ثلاث قوى أساسية وتتجلى على ثلاثة مستويات هي:
ـ البيروقراطية على مستوى جهاز الدولة:
إن جهاز الدولة وبسبب عدم الرقابة عليه من الشعب عبر ممثليه من قوى وأحزاب وطنية، فقد ابتعد عن القيام بدوره الوظيفي المطلوب منه مما انعكس سلباً على عملية التطور والتنمية.
ـ الليبرالية على مستوى الاقتصاد:
إن تطبيق السياسات الليبرالية السابق ذكرها، أدى إلى نتائج كارثية في البلاد أصابت الاقتصاد السوري بالضعف والوهن، وجعلت منه اقتصاداً يخدم مصالح أصحاب رؤوس الأموال.
ـ الفساد على مستوى المجتمع ككل:
إن تحالف قوى البيروقراطية مع قوى الليبرالية أنتج الفساد الذي نشر جيناته الوراثية القاتلة في كل مفاصل البنية الاجتماعية، ومن خلالها بث سمومه على المستويات السياسية والاقتصادية والفكرية. إضافة إلى ذلك ومع واقع القوى السياسية التقليدية والتي كانت بعيدة عن فهم مجرى التطورات التي كانت تحدث على المستوى الدولي والإقليمي والداخلي.. هذا الواقع أدى إلى تراجع تأثير هذه القوى وفقدانها لجماهيرها. كل ذلك شكل حافزاً للقوى الرجعية على تعميق التخلف وزيادة حدة التفاوت الطبقي والتبعية للغرب الاستعماري وخلق ثنائيات وهمية (نظام- معارضة) وذلك بهدف حرف الحراك الشعبي عن غايته المتمثلة في التغيير السلمي الجذري والشامل.. إن هذا الحراك وإن هدأ مؤقتاً بسبب أعمال العنف والإرهاب من قبل المتشددين من الطرفين المتحاربين للحفاظ على مصالحهم ومكتسباتهم، إلا أنه وبمجرد وقف هذه الأعمال سيعود الحراك الشعبي أكثر قوة وتنظيماً وتركيزاً مستفيداً من التجربة الماضية وعاقداً العزم على التغيير الجذري والشامل.