الافتتاحية: حكومة الوحدة الوطنية هي الحل
يتوهم البعض أنه بمجرد تعثر المشروع الإمبريالي بالتدخل العسكري المباشر، ونشوء وضع دولي جديد بعد استخدام الفيتو الروسي الصيني في مجلس الأمن، تصبح الأزمة الداخلية في سورية خلفنا، ويتجاهل هذا البعض أن التحالف الإمبريالي- الصهيوني والرجعي العربي سيحاول الاستعاضة عن مشروع التدخل الخارجي المباشر بتصعيد الوضع عبر أذرعه في الداخل، وخصوصاً بواسطة دعم المسلحين وتمويلهم لاستمرار جرائمهم بحق الشعب والوطن، وكذلك عبر الاستفادة من الحلول الأمنية البحتة وغياب الحل السياسي الداخلي الجذري والشامل.
وإذا كان العائق الأكبر أمام حل الأزمة في الأشهر الثلاثة الأخيرة هو التدخل الخارجي وكيفية مواجهته، فإن سير الأحداث أثبت بأن أفضل وسيلة لمواجهة الخارج هي الحل السياسي الفعال، والذي يتجاوز الحل الأمني البحت، وكان بالإمكان توفير الزمن والكلفة الوطنية العالية التي دفعها الوطن لو جرى تنفيذ مقررات وتوصيات اللقاء التشاوري، ولكانت البلاد بغنى عن الجامعة العربية ومبادرتها وبروتوكولها.
من هنا، لابد للقوى الوطنية الحقيقية في البلاد التي ترفض التدخل الخارجي والفتنة الداخلية أن تعترف بخطورة حالة الاستعصاء التي وصلت إليها الأزمة في سورية، وهذا يتطلب منها القيام بإجراءات استثنائية تحمي وحدة البلاد أرضاً وشعباً، ونؤكد أن أولى الأولويات الآن- وبشكل مستعجل- الذهاب إلى قيام حكومة وحدة وطنية من النظام والمعارضة والحركة الشعبية، ذات صلاحيات واسعة.
إن مبررات قيام حكومة كهذه تكمن في التالي:
1 ـ الخطر على الوطن يتزايد والزمن يتناقص، ولا يستطيع أي طرف سياسي بمفرده مواجهة المخاطر المحدقة بالوطن والمجتمع خارجياً وداخلياً دون حكومة وحدة وطنية قادرة على تعبئة قوى المجتمع الشريفة في الموالاة والمعارضة والحركة الشعبية، للدفاع عن الوطن وعن الوحدة الوطنية. وهذا يتطلب من النظام الاستفادة من اللحظة التاريخية وعدم تفويت فرصة الوصول إلى حل آمن للأزمة بعد نشوء وضع دولي جديد في أعقاب الفيتو الروسي الصيني ليعزل قوى الفساد المعادية للإصلاح الجذري الشامل والمعادية أصلاً للحركة الشعبية. ومن هنا نؤكد أن خيار البدء فوراً بقيام حكومة الوحدة الوطنية هو فرصة ليست مفتوحة زمنياً، وإذا لم يؤخذ بها تصبح متأخرة وغير ذات جدوى بعد أسابيع قليلة جداً، وهذا ما يضع البلاد أمام كلفة وطنية أعلى بكثير مما نحن فيه الآن.
2 ـ كما أن قيام حكومة وحدة وطنية ذات صلاحيات واسعة تتناسب مع نوعية المهام والمشكلات المطلوب حلها وطنياً واقتصادياً وأمنياً يعني أنها ستكون حكومةً سياسيةً بامتياز، ترسم سياسات، وصاحبة سلطات حقيقية تؤهلها لتنفيذ انعطاف وطني تغييري على الأصعدة كافة. وهذا ما يمكنها خلال زمن قياسي من إعادة الثقة لمفهوم العلاقة الصحيحة بين الدولة والمجتمع بكل أطيافه، كما ستتمكن حكومة الوحدة الوطنية من وضع استراتيجية عملية لحل الصعوبات التي خلقتها السياسات الاقتصادية- الاجتماعية الخاطئة قبل الأزمة بسنوات، والتي فاقمتها قوى الفساد الكبير المسؤولة عما وصلنا إليه، كما ستقوم الحكومة العتيدة بوضع خطط عاجلة لمواجهة الحصار المفروض على البلاد من أشهر.
3 ـ عند الحديث عن حكومة وحدة وطنية نطالب المعارضة الوطنية ليس القبول بهذا الخيار فقط، بل بحسم موقفها، وخصوصاً ذلك البعض الذي أربكه التدخل الخارجي في الأشهر القليلة الماضية وتحول إلى حالة انتظارية قبل أن يحدد موقفه النهائي. وهنا يصبح مطلوباً من المعارضة الوطنية أكثر من أي وقت مضى، القطع الكامل مع المعارضة غير الوطنية (مجلس اسطنبول نموذجاً)، والتي تحولت إلى ثأرية متطرفة تقبل بـ«الشيطان» دون أي اعتبار لمصلحة الوطن والشعب، وهي قوى مشبوهة تثبت ارتباطها وارتهانها للخارج الذي لا يريد لبلدنا وشعبنا إلاّ الفوضى والتفتيت والحرب الأهلية.
4 ـ مثلما كنا دائماً نطلب من الحركة الشعبية السلمية (ونحن من أشد المدافعين عنها) أخذ موقف حاسم ضد المتطرفين والمسلحين وضد الناطقين باسمها زوراً والمرتبطين بعواصم الغرب الاستعماري، كذلك نطلب منها اليوم إدراك مسؤولياتها الوطنية والقيام بتأييد اقتراح قيام حكومة وحدة وطنية ذات صلاحيات واسعة والمشاركة فيها لتحقيق أهدافها ومطالبها المحقة في التغيير الوطني والاقتصادي- الاجتماعي والديمقراطي الشامل.
وإذا كنا- ولا نزال- نطالب بأن يكون حل الأزمة التي تعصف بالبلاد سورياً خالصاً، فإن الوصول إلى ذلك يتطلب من القوى الثلاث التي أشرنا إليها آنفاً تحمل مسؤولياتها الوطنية وخصوصاً النظام، والمطلوب منه القيام بالخطوة الأولى نحو قيام حكومة وحدة وطنية ذات صلاحيات واسعة لأنها المخرج والطريق الآمن للخروج من الأزمة والدفاع عن الوطن والانتقال من الدفاع إلى الهجوم، وفي ذلك ضمانة لكرامة الوطن والمواطن.