الحركة السياسية في سورية ما بين القديم والجديد
أصبح تاريخ الخامس عشر من آذار 2011 نقطة فصل هامة في تاريخ سورية، بحيث صار من الممكن القول إن سورية ما بعد هذا التاريخ ليست هي حتماً نفسها قبله، وإن عجلة الزمن لا يمكن أن تعود إلى الوراء. بمعنى أن هناك تغيراً سياسياً واجتماعياً يلوح في الأفق قد استُحق على البلاد لا يمكن تجاوزه أو الهروب منه، وأن الذهاب جدياً إلى البحث في ملامح التغير المقبل هو اختصار للتضحيات والجهد والوقت، ففي هذا التاريخ بالذات بدأت الجماهير تلتفت نحو النشاط السياسي وتدخل فيه تباعاً بعد قطيعة طويلة عنه وبعد انعدام ثقتها بجدواه، وبدأت تشكل آراءها ومواقعها المختلفة التي لم تستقر حتى الآن كونها بحالة تجدد وتغير، وأحياناً تخبط شبه يومي، وذلك تبعاً للتطورات السياسية والميدانية المستجدة يومياً.
تلكالتقلباتفيالمواقفتعكسحالةالعفويةفيحركةالجماهير،وتدللعلىأنهالمّاتصبححركةسياسيةبعد- أيغيرعفويةذاتبرامجسياسيةتعكسمصالحاجتماعيةمحددة- بمعنىأنهاماتزالحركةشعبيةبانتظارأنتضعمولودهاالسياسيالمسمى «حركةسياسية» أو «فضاءًسياسياًجديداً» قادراًعلىأنيمثلهالاحقاًبكلأطرافها،وهذهالعفويةهيحالةموضوعيةوطبيعيةفيالبداية،إلاأنبقاءهالنيكونصحياًأبداًلأنهعملياًيؤخرنشوءالحركةالسياسيةالتيستمثلقوىالمجتمعالمختلفةفينظامسياسيجديد،وبقاءالعفويةيعودإلىبقاءالاستعصاءجاثماًعلىصدرالبلادفيظلانعدامالحلالسياسيواستخدامالحلالأمنيالبحتفيالتعاملمعالأزمةمنجهةالنظام،وفيظلمحاولاتقوىمجلسإسطنبولالمدعومةأمريكياوأوربياًجعلهامسلحةوعمياءفيآنواحد..
الحركةالسياسية.. والسياسة
الحركةالسياسيةتمثلالأحزابوالقوىوالتجمعاتوالحركات..الخ،سواءتلكالتيفيالسلطةأوالتيفيالمعارضة،فيحينأنالسياسةحسبتعريفلينينلهاهي «تعبيرمكثفعنالاقتصاد»،والمقصودبالاقتصادهناهوعلاقاتالإنتاج،أيعلاقاتالملكية،وبشكلأبسطنقولإنالسياسةهيتعبيرعنالمصالحالاجتماعيةوالصراعمنأجلها،وتلكمهمةالأحزابوالقوىالسياسيةأيمهمةالحركةالسياسية.
حسبهذاالتحديدلمفهوميالسياسةوالحركةالسياسيةيتكشفلناجانبكبيرمنطبيعةالأزمةالراهنةفيسورية،فهي،بإحدىجوانبها،أزمةتمثيلسياسي،أيهيفيأحدأسبابهاتعودإلىعجزالقوىالسياسيةالتقليديةعنعكسالمصالحالاجتماعية،وبكلمةأخرىعجزهاعنالعملالسياسي،وهذايعنيغيابالحركةالسياسيةعملياً،كونهالاتؤديوظيفتهاالأساسيةعلىالرغممنوجودهاكهياكل،لكنهذالايعنيبأيةحالمنالأحوالغيابالصراعالاجتماعيبينتياراتالمجتمعحولالجوهرالمتمثلبـ«الاقتصاد»،وبماأنالمجتمعلايقبلالفراغفإنالجماهيرعادتإلىالشارعلترفعصوتهاعالياًكيينبريمنيمثلهاحقاًفيمطالبهالتسميههي،وليسأيأحدآخر،حزباًأوحركةأوتجمعاًأوشخصيةوطنية...الخ.
أزمةأينظام؟
مانشهدهاليومهوليسحالسوريةفقط،إنهحالالعالمبأسرهمنتونسإلىوولستريت،فظاهرةنزولالجماهيرإلىالساحاتهيظاهرةتاريخيةكانتتعقبالأزماتالاقتصاديةالكبرىللرأسمالية،وتسبقنشوءأحزابقوىوأحلافومعسكراتسياسيةعلىالمستوىالعالمي،وعندالدراسةالمعمقةلهذهالظاهرةنجدأنهابينحالتيالمدوالجزر،وأنلهاطابعاًدورياًمحدداً،ففيالنصفالأولمنالقرنالماضيكانتالحركةالسياسيةالثوريةذاتالطابعالجماهيريفيمرحلةصعود،ووصلتإلىقمةتأثيرهاعلىالمجتمعاتوعلىمجملالحياةالسياسيةحتىأواخرهذاالنصف،ثمبدأتبالتراجعمنذأوائلالستينياتأمامتقدمخصمالشعوبالتاريخيالمتمثلبالإمبرياليةالعالميةالذيبلغذروتهمعانهيارالإتحادالسوفييتيومنظومةالدولالاشتراكية،ولكنهذالميعفالرأسماليةالعالميةمنأزماتهاذاتالطبيعةالعضويةوالبنيوية،المنتجةللحروبوالصراعاتالعرقيةوالطائفيةوالإثنية..ألخ،فيالمناطقالغنيةبالنفطوالثرواتالطبيعية،وتحديداًفيمنطقتنا،وربماهذامايفسرانطلاقالانتفاضاتالثوريةفيالعالمالعربيفيمواجهةالأنظمةالعربيةكامتدادوواجهاتللنظامالرأسماليالعالمي،وذلكبغضالنظرعنمحاولاتالغربالتحكمفيمسارتلكالانتفاضاتومحاولاتهصنعوكلاءجدد،فالأزمةهيبالجوهرأزمةالنظامالرأسماليالعالميالتيبدأتاقتصاديةقبلأعوام،ودخلتاليومفيعمقهاالاجتماعي،الأمرالذييقتضيبالضرورةتقدمالخصمالتاريخيللإمبرياليةالعالميةالمتمثلبقطبالشعوب،أيأنناعدنامنجديدإلىحالةالمدالجماهيريوصعودحركاتسياسيةجديدة. تلكالعمليةانطلقتمعأحداثالحاديعشرمنأيلول 2001،ومعبدايةظهورالمنظماتالسياسيةالعالميةالمناهضةللعولمةوالرأسمالية،التيبدأتنضالاًملموساًوعملياًضدالدولالثمانيودوائرهاالعالمية،واستمرتتلكالعمليةحتىأصبحتسمةللعصرستستمرلعقود.
قديموجديد..
شكلتالجبهةالوطنيةالتقدميةفيسورية،التيضمتقوىسياسيةكانتموجودةفعلياًفيحينهعلىالساحةالسياسيةمنبعثيينوناصريينوشيوعيين،شكلتالواجهةالسياسيةللنظامفيسوريةعلىمدىأربعينعاماً،ولميتحققأيفصلبينذلكالتحالفوبينجهازالدولةالذيكانيتضخمباطراد،ويتضخمحجمالفسادبداخلهأيضاً،ذلكالمقتلهوالذيجعلمن قياداتهذهالأحزابممثلةلجهازالدولةفيالمجتمعوليسالعكس،ونشأنتيجةلذلك،فيظلتراجعالحركةالثوريةعلىالمستوىالعالمي،ماسميلاحقاًبأمراضالعملالجبهويالتيتندرجتحتثلاثةأنواعهي: الأولمرضالامتيازاتوالمكاسبالذيأصابقياداتهذهالأحزاب،والثانيهوالعملمنفوقلفوقعلىحسابالصلةالحيّةمعالجماهير،والثالثهوغيابالديمقراطيةالحزبيةداخلهذهالأحزاب،تلكالأمراضعطلتآليةالإرسالوالاستقبالبينجهازالدولةوالمجتمع،وزادتالهوةبينهما،وخصوصاًفيظلقانونالطوارئوالأحكامالعرفية،وتقلصهامشالحرياتالسياسيةوتخلفآلياتالتمثيلالسياسي..ألخ.. هذهالعواملجعلتالأحداثفيسوريةتأخذشكل «صراعبينالدولةوالمجتمع» وهوشكلمغايرلمضمونالأزمةالذيهوصراعالمصالحالاجتماعية،أوبمعنىآخرهواحتجاجالمتضررينمنالسياساتالليبراليةالمتبعةمنذسنواتوالتيكانتحشوةالانفجارالذيتشهدهالبلاد،ولنيتطابقشكلالأزمةمعمضمونهاإلابتسريعولادةالحركةالسياسيةمنرحمالحركةالشعبيةبعدنزعصفةالعفويةمنها.
لكييولدالجديد،أيالحركةالسياسية،لابدمنإنجازالإصلاحاتالدستوريةضمنآجالزمنيةمحددة،وهي: دستورجديديخضعلنقاششعبيواسع،واستبدالقانونالانتخاباتالحاليبقانونانتخاباتبحيثتصبحالبلاددائرةواحدة،والتمثيلنسبيبمايضمنأفضلتمثيلللمجتمعوأكبرعزلممكنلقوىالفسادوالمال،وقانونإعلامعصري،وقانونأحزاب..ألخ..
لكنهذهالإصلاحاتستبقىحبراًعلىورق،ولنتلقىأيتفاعلأومشاركةمنجانبالمجتمعقبلإنجازالمصالحةالوطنيةوالحوار،لذالابدمنحكومةوحدةوطنيةذاتصلاحياتواسعةللقيامبإجراءاتفوريةترأبالصدعفيالبلادوهي: إطلاقسراحالمعتقلين،ومحاسبةكلمنأراقالدماءالسوريةمنكلالأطراف،والوقفالفعليلقانونالطوارئ،والقطعمعالسياساتالليبرالية،والإطاحةبرموزالفسادالتيأمستمعروفةللشعبالسوري،وتعويضالمتضررينمنالمدنيينوالعسكريين..ألخ..
هذايوقفالنزيف،ويغيرواقعالانقسامإلىحالةفرزصحيةوسلمية،بمايحفظوحدةالبلاد،ويقطعالطريقعلىالتدخلالخارجيمنكلصنفولونكييتسنىلنارسمملامحالتغييرالدستوريالديمقراطي،الذيهوأيضاًوسيلةوليسهدفاً،كيينجزالشعبالسوريتحررهالوطنيوالطبقي،وكييبنيحركةسياسيةثوريةحقيقيةتصنعالتقدموالتحرير.