الحركة الثورية.. متى يحين موعدها؟؟
تمر هذه الأيام كلمة «ثورة» كواحدة من المسلمات الواجب تصديقها بذاتها، وكما هي، والبناء عليها دون أي نقاش. ولعل التهافت الإعلامي على استخدامها هو من لعب الدور الرئيسي في ترسيخها في اللاوعي الجمعي على أنها التوصيف الأكثر دقة لما يجري في العالم العربي.. ولعله من المفيد أيضاً – لهذا السبب بالتحديد- الوقوف عندها بوصفها مفهوماً، قبل افتراضها محددة ومنجزة لأن تجاوز ذلك كفيل بإجهاضها كما سنبين في متن هذه المادة..
يجب بداية كما يقول درويش: «الخروج من اليقين»، وذلك باستبعاد التوصيف الشكلي لما يجري بأنه ثورة أو بأنه حركة ثورية، أي أن خروج المظاهرات ورفعها للشعارات لا يكفي لنقول: هنالك ثورة! ذلك أن مراحل الوصول إلى الثورة كما علمنا التاريخ هي ثلاث مراحل:
-1 الحركة الشعبية:
تتفاقم المشاكل الاقتصادية- الاجتماعية والديمقراطية، وتزداد معدلات البطالة، وينخفض مستوى المعيشة، وتتردى الخدمات، ويتهدد الأمان الاجتماعي، فتخرج الناس إلى الشوارع لتطالب بالتغيير، تخرج بشكل عفوي ودون قيادة فعلية، تناضل، تعتقل، تدمى، تتقدم، تتراجع، تصطفي ذاتها وتستمر في النضال ولا تزال بعيدة كل البعد عن الحركة السياسية..
-2 الحركة السياسية:
تنفض الحركة السياسية عنها الغبار والدهشة شيئاً فشيئاً، من بقي لديه (حيل) منها، يقوم لملاقاة الشارع، البعض يستسلم لعفويته، والبعض يزجره ويستخدم الإنكار - آلية فرويد في الدفاع النفسي- ليبقى في مكانه لأن لا طاقة له بالتحرك، والبعض يثمن نضالات الشارع ويشاركه إياها وينتقده بحزم ودون هوادة، أولئك فقط من يمكنهم التكيف والانتقال مع الشارع المنتفض إلى الأفق الجديد. تحاول الحركة السياسية بأطيافها المختلفة تقديم أوراق اعتمادها للشارع المنتفض من خلال برامجها وشعاراتها ونضالاتها.
-3 الحركة الثورية:
حين تتشكل حلقات الارتباط بين الشارع والأحزاب السياسية تبدأ الحركة الثورية.. تبدأ البرامج السياسية بالتحول إلى واقع لأنها في ذلك الوقت فقط تكون قد امتلكت القوة المادية التي تسمح بتحول الأفكار إلى وقائع، تكتسب الحركة الشعبية بتطورها وبتلاقيها مع الحركة السياسية بعدها الطبقي الواضح، فتسقط الأقنعة الديمقراطية والوطنية العامة عن الوجوه جميعها، ويصبح تطابق الجوانب الديمقراطي والاقتصادي- الاجتماعي والوطني مطلباً جماهيرياً لا مجال للمواربة معه..
أين نحن الآن؟
يبدو أن سورية الآن دخلت في مرحلة الحركة السياسية، وما تزال بحاجة إلى مزيد من الوقت للدخول إلى مرحلة الحركة الثورية، وهذا لا يعني بحال من الأحوال أن ما تعيشه سورية ليس حالة ثورية.. ذلك كلام آخر، فالحالة الثورية هي تعبير عن عدم قدرة النظام على الحكم بالطريقة التي كان يحكم بها سابقاً، وعدم قبول الناس بأن يحكموا بتلك الطريقة، وهذا هو واقع الحال في سورية. من هنا فإن المطلوب من حرق المراحل وافتراض أن ما نعيشه هو ثورة هو الاستفادة من الاصطفافات المؤقتة القائمة حالياً، والتي لا تستند إلى أساس طبقي لتثبيت واقع سياسي يكرس الاستغلال ويغير الوجوه فقط.. وذلك قبل أن تتطور الحركة إلى ذلك الحد الذي لا رجعة عنه.. القوى المعنية بحرق المراحل هي القوى المعادية للشعب السوري والموجودة ضمن النظام السوري على شكل فاسدين كبار وضمن الحركة الشعبية على شكل متطرفين، وضمن المعارضة على شكل مجلس اسطنبول، وبطبيعة الحال معلمهم وتاج رؤوسهم جميعاً هو العدو الأمريكي - الصهيوني..