عندما يعلو صوت المتطرفين
علاء أبو فرَّاج علاء أبو فرَّاج

عندما يعلو صوت المتطرفين

صفحتي الشخصية على «الفيسبوك» أصبحت مزعجة للعديد من الناس، فالموالون يخافونها لوجود أشياء غير مفهومة، والمعارضون يعتقدون أن آرائي «ما بتمشي غير على الهبلان»، هكذا حذفني من قائمة أصدقائه كل من لم يجد «مديحاً» أو «شتماً» للنظام في صفحتي.

 

لا مجال للموضوعية عندما يعلو صوت المتطرفين، هكذا وبكل بساطة أصبحنا ضحايا حروب افتراضية تخوضها جحافل الجيوش الالكترونية للموالاة والمعارضة بعد أن تمت مهمة تقسيم الشارع السوري بين موالين ومعارضين بنجاحٍ تام، وبأقل الخسائر، والتي لم تتجاوز بأسوأ الأحوال «تهديد وطننا وتهديد وحدته الجغرافية والتاريخية».. أصبح من واجبك أن تشرح لكل ثائرٍ لماذا لاتزال مدينتك تخون «ثورته»، وعليك أن تتحلى بالصبر والعقلانية وأنت تسمع حناجر الموالاة في شوارع دمشق تصدح بالهتاف الشهير «يلي ما بيصفق أمو حمصية» بعد أن تم تعديله بما يتناسب مع درجة التطرف الحالية. تم الحكم على جميع الموضوعيين في هذا الكرنفال السياسي: أنتم  مهادنون ومتذبذبون، لا تملكون الشجاعة لتقولوا موقفكم الصريح، أو منومون مغناطيسياً من أشخاصٍمعينين.. أخيراً اتفق كل من  الموالاة والمعارضة على دفن العقلاء الذين يعكرون صفو الثورة تارةً أو وضوح المؤامرة تارةً أخرى.. ملعون كل من يحاول أن يُعيق مهمة تقاسم جثث السوريين بين «شهداء الموالاة» و«شهداء المعارضة»، كل يقسِّم الشعب السوري على هواه، يخوِّن يكذِّب ويسب... حسب مزاج الثورة أو المؤامرة. غالباً أعجز عن وصف ما يجري أو تحديد مشاعريوموقفي تجاه ما يقال. يُعلن البعض أن سحق الحركة الشعبية ممكن باستخدام قوة العسكر، وأنه لا مكان لهؤلاء المتآمرين على أرضنا سوى في قبورٍ صغيرة في مكانٍ قذر، بينما يُعلن البعض الآخر قائمته لمرشحي الانتخابات التي اختار لها أسماء من شهداء «الثورة» بعناية. ببساطة لن تجد حلولاً موضوعية أو تحليلاً علمياً، ردود أفعال وعنتريات، الكل يحمِّل المسؤولية للآخر.. كلالآخر، دون أن يتحمَّل أحد مسؤوليته تجاه وطنه وحياته... لا مجال لطرح أخطاء النظام أو عمالة بعض رجالات المعارضة أو حتى مناقشة أخطاء الحركة الشعبية، إذ لن يتهاون أعزاؤنا المتطرفون في سحق كل من يعيق النصر، نصرهم هم.. لم يعد هناك وقتٌ كافٍ لدقيقة صمتٍ على طيارين في الجيش الوطني السوري تم اغتيالهم، ولا على طبيبٍ شاب قُتل بعد أن عالج جرحى سوريينفي مكان ما وزمن ما على أرض هذا الوطن.. محرم أن تعتبر العشرات ممن قضوا في التفجيرات الأخيرة في العاصمة دمشق «شهداء»، الوقت ينفد فعلاً، لذلك نعتذر منكم أعزاءنا المتطرفين، لن نستطيع أن نستمع لكم ولتحليلاتكم السطحية، أو لقصص قبل النوم الجذابة التي تروونها عن حبوب الهلوسة والمياه السحرية المهيّجة للمتظاهرين وحكايات أبطالكم الخرافيين الذين يقومون بعملياتٍرائعة في دول وراء البحار.. خططكم الأسبوعية لإسقاط النظام فقدت سحرها، و لم يعد مسلياً بحثكم المضني في كتب الثورة علكم تجدون ما يبرر أفعالكم، «مظاهراتكم الطيارة» أو الإلكترونية لم تهز أركان النظام وتحرير الجولان لن يتم بطمر «هفوات» النظام مؤقتاً وتبرير استعصاء الحل الأمني البحت وغياب الحل السياسي..

أعزاءنا المتطرفين، لن نستمع بعد اليوم، ولن نحترم آراءكم حول آليات القضاء والتخلص من المتظاهرين، ولا تبريراتكم لوجود المسلحين، وحتماً هذا الوطن لن يكون أسعد  بمساعدة الأوربيين والأمريكان، ولا بوجود أعوانهم وأمراضهم في الفساد الكبير الذي نهب البلد على مدى سنين. إنها رياح التغيير التي لن تستطيعوا إيقافها أو تخفيف شدتها.. لن  تمنعوا أصحاب الحقوق من حقوقهم فياستعادة أراضيهم المحتلة وحياةٍ حرةٍ كريمة.