ماذا بعد تكريس «الانقسام الثانوي» في الجولة(1)؟

ماذا بعد تكريس «الانقسام الثانوي» في الجولة(1)؟

يتحضر‭ ‬‮«‬فريقا‮»‬‭ ‬التفاوض‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬القادمة‭ ‬لدخول‭ ‬الجولة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬جنيف،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أنهيا‭ ‬الأولى‭ ‬دون‭ ‬تقدمٍ‭ ‬يذكر‭. ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المختلفة‭ ‬تضع‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬ضمن‭ ‬جوٍ‭ ‬عامٍ‭ ‬من‭ ‬التشاؤم،‭ ‬فإنّ‭ ‬ما‭ ‬ينبغي‭ ‬التأكيد‭ ‬عليه،‭ ‬رغم‭ ‬جميع‭ ‬الإشارات‭ ‬السلبية،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬جنيف‭ ‬تحول‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬مؤتمر،‭ ‬إلى‭ ‬مؤسسة‭ ‬ستتابع‭ ‬عملها‭ ‬حتى‭ ‬نهاياته،‭ ‬أي‭ ‬حتى‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬تحويل‭ ‬الحل‭ ‬السياسي‭ ‬من‭ ‬إمكانية‭ ‬موضوعية‭ ‬وحيدة‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬معاش‭..‬

إنّ‭ ‬الأطراف‭ ‬الدولية‭ ‬والإقليمية‭ ‬والداخلية‭ ‬ووسائل‭ ‬إعلامها‭ ‬التي‭ ‬تحيط‭ ‬مؤتمر‭ ‬جنيف‭ ‬وأعماله‭ ‬بكمٍ‭ ‬هائل‭ ‬من‭ ‬الإشارات‭ ‬السلبية‭ ‬وتأمل‭ ‬إفشاله،‭ ‬هي‭ ‬أطراف‭ ‬متعددة‭ ‬ومتناقضة‭ ‬أحياناً،‭ ‬ولكن‭ ‬المصلحة‭ ‬النهائية‭ ‬من‭ ‬إفشال‭ ‬جنيف‭ ‬ستكون‭ ‬لقوى‭ ‬الفاشية‭ ‬الجديدة‭ ‬ولقوى‭ ‬الحرب،‭ ‬تلك‭ ‬القوى‭ ‬التي‭ ‬كررت‭ ‬حديثها‭ ‬الاستفزازي‭ ‬عن‭ ‬‮«‬تسليح‭ ‬المعارضة‮»‬،‭ ‬لأن‭ ‬فشل‭ ‬المؤتمر‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الاستنزاف‭ ‬والاستعصاء‭ ‬القائم‭ ‬قبله‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬وينذر‭ ‬أيضاً‭ ‬بالانتقال‭ ‬إلى‭ ‬مرحلةٍ‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬التدويل‭ ‬لن‭ ‬تستثني‭ ‬التدخل‭ ‬العسكري‭ ‬المباشر‭. ‬ولذا‭ ‬يجب‭ ‬التأكيد‭ ‬مجدداً‭ ‬على‭ ‬أهداف‭ ‬جنيف‭ ‬الثلاثة‭ (‬إيقاف‭ ‬التدخل‭ ‬الخارجي،‭ ‬إيقاف‭ ‬العنف،‭ ‬وإطلاق‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭) ‬وبذل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يلزم‭ ‬لإنجاحه‭..‬

قدّم‭ ‬سلوك‭ ‬وفدي‭ ‬الحكومة‭ ‬وائتلاف‭ ‬الدوحة‭ ‬في‭ ‬الجولة‭ ‬الأولى‭ ‬نموذجاً‭ ‬مكثفاً‭ ‬عن‭ ‬الانقسام‭ ‬القائم‭ ‬في‭ ‬سورية‭ ‬منذ‭ ‬بدايات‭ ‬الأزمة‭ ‬بين‭ ‬‮«‬موال‮»‬‭ ‬و‮«‬معارض‮»‬،‭ ‬الانقسام‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬الاصطفاف‭ ‬والفرز‭ ‬الجاري‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬السوري‭. ‬والآن‭ ‬يحاول‭ ‬مكرسو‭ ‬هذا‭ ‬الشكل‭ ‬من‭ ‬الانقسام‭ ‬إلحاق‭ ‬بقية‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬المعارضة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تشارك‭ ‬في‭ ‬الجولة‭ ‬الأولى،‭ ‬بهذا‭ ‬الطرف‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭. ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يبقي‭ ‬مؤتمر‭ ‬جنيف‭ ‬كما‭ ‬تريد‭ ‬له‭ ‬واشنطن‭ ‬أن‭ ‬يكون،‭ ‬صراعاً‭ ‬حتى‭ ‬الموت‭ ‬بين‭ ‬طرفين،‭ ‬يتعامل‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬مع‭ ‬جنيف‭ ‬بوصفه‭ ‬حلبة‭ ‬للانتصار‭ ‬أو‭ ‬الخسارة‭ ‬وليس‭ ‬لإنهاء‭ ‬تدويل‭ ‬المسألة‭ ‬السورية‭ ‬والشروع‭ ‬بحلها‭ ‬سياسياً‭ ‬بما‭ ‬يعني‭ ‬إنهاء‭ ‬معاناة‭ ‬السوريين‭ ‬والاحتكام‭ ‬إلى‭ ‬رأيهم‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬وبنية‭ ‬سورية‭ ‬الجديدة‭. ‬ولعل‭ ‬أبرز‭ ‬الإشارات‭ ‬السلبية‭ ‬التي‭ ‬أطلقها‭ ‬الفريقان‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬هي‭ ‬طريقة‭ ‬تعاطيهما‭ ‬مع‭ ‬قضايا‭ ‬المعتقلين‭ ‬والمخطوفين‭ ‬بوصفهم‭ ‬‮«‬أسرى‮»‬‭ ‬وتعاملهم‭ ‬مع‭ ‬مسائل‭ ‬الحصار‭ ‬والإغاثة‭ ‬أيضاً‭ ‬بوصفها‭ ‬جميعها‭ ‬قضايا‭ ‬لتسجيل‭ ‬النقاط‭ ‬وليست‭ ‬قضايا‭ ‬تمس‭ ‬مواطنين‭ ‬سوريين‭..‬

إنّ‭ ‬تجربة‭ ‬سنواتٍ‭ ‬ثلاث‭ ‬من‭ ‬الأزمة‭ ‬الوطنية‭ ‬العميقة‭ ‬التي‭ ‬دفع‭ ‬السوريون‭ ‬ثمنها‭ ‬غالياً‭ ‬جداً،‭ ‬أثبتت‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يدع‭ ‬مجالاً‭ ‬للشك‭ ‬أن‭ ‬الحل‭ ‬السياسي‭ ‬هو‭ ‬الحل‭ ‬الوحيد،‭ ‬وتثبت‭ ‬الآن‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الحل‭ ‬ليس‭ ‬بلا‭ ‬تعقيدات‭ ‬وصعوبات،‭ ‬ولكنه‭ ‬يبقى‭ ‬حلاً‭ ‬وحيداً،‭ ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬مؤتمر‭ ‬جنيف‭ ‬الذي‭ ‬يشكل‭ ‬الانعطاف‭ ‬الأساسي‭ ‬باتجاه‭ ‬الحل‭ ‬السياسي‭ ‬سيستمر‭.. ‬وما‭ ‬ينبغي‭ ‬العمل‭ ‬عليه‭ ‬هو‭ ‬تعزيز‭ ‬فرص‭ ‬نجاحه‭ ‬بتلافي‭ ‬نواقصه‭ ‬وعيوبه‭ ‬المتركزة‭ ‬في‭ ‬نقطتين‭:‬

الأولى‭ ‬هي‭ ‬غياب‭ ‬المعارضة‭ ‬الداخلية‭ ‬عنه،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أنها‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تحضر‭ ‬تحت‭ ‬عباءة‭ ‬أحد‭ ‬الطرفين،‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬حضورها،‭ ‬بل‭ ‬تجب‭ ‬العودة‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬الطرح‭ ‬العقلاني‭ ‬والموضوعي‭ ‬القائل‭ ‬بوفود‭ ‬عدة‭ ‬للمعارضة‭.‬

والثانية‭ ‬هي‭ ‬غياب‭ ‬إيران‭ ‬عن‭ ‬المؤتمر‭ ‬باعتبارها‭ ‬لاعباً‭ ‬إقليمياً‭ ‬بارزاً‭ ‬يعرقل‭ ‬عدم‭ ‬حضوره‭ ‬إنجاح‭ ‬المؤتمر‭.‬

‭ ‬إنّ‭ ‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬مهمات‭ ‬جنيف‭ ‬الثلاث‭ ‬وعلى‭ ‬تمكينه‭ ‬من‭ ‬تحقيقها،‭ ‬هو‭ ‬اليوم‭ ‬مسؤولية‭ ‬وطنية‭ ‬يتحملها‭ ‬الوطنيون‭ ‬السوريون‭ ‬أينما‭ ‬كانوا‭.. ‬

آخر تعديل على الأحد, 02 شباط/فبراير 2014 13:23