يمكن للـ«يساري» أيضاً أن يناصر الفاشية الجديدة!!
يهاجم السيد ناهض حتّر الصحفي الأردني مؤتمر جنيف-2 في مادة له في الأخبار اللبنانية بعنوان «باي باي جنيف أهلاً دمشق1» المنشورة في العدد 2204 بتاريخ 23/1/2014، ويهاجم أصحاب الفكرة الأوائل وعلى رأسهم د. قدري جميل..
يقول ناهض حتّر في مادته: «هل يشرّف الرفيق قدري جميل الإصرار على الانتماء إلى معارضة كهذه؟ مبكراً أعطى قدري جميل الإجابة الصحيحة عن سؤال الخروج من الأزمة السورية، وذلك بالانتماء ــــ من موقع الاختلاف ــــ إلى الحكومة السورية، ثم وقع في الخطأ الكبير؛ بقي على اقتناع فائت بأن الحسم العسكري غير ممكن، وظنّ أن ثوب المعارضة أجمل وأليق، وتعلّق بسراب «جنيف 2» والحل الدولي الذي سيكفل حكومة انتقالية، فاختار القفز إلى حيث يضمن مقعداً له في صفوف المعارضين في «جنيف 2». تفضّلْ يا رفيق هذا هو «جنيف 2» وها أنت، وهيثم منّاع، خارجه».. انتهى الاقتباس.
ورغم أن الحياة قالت كلمتها الفصل حول خرافات الحسم العسكري وخرافات الإسقاط، وقالتها بدم السوريين وأرضهم وكارثتهم التي يعيشون، لكن يبدو أنّ بعض «المتكلمين» يحتاجون باستمرار إلى تلقيمهم الحقائق الواحدة بعد الأخرى، وهذا طبعاً إذا أحسنّا النوايا وهو ما سنفعله حتى النهاية دون إغفال حقيقة أن لا طروحات سياسية بريئة.. هناك طروحات مغفلة ولكن لا توجد طروحات بريئة..
لا شك أنّ السيد ناهض وكل ذي عقل يعلم علم اليقين أن درجة التدويل التي وصلت إليها المسألة السورية تشمل المناحي الاقتصادية والسياسية والعسكرية، أي أنّ حرباً دوليةً وإقليمية تخاض على الأرض السورية، ما يعني أنّ أولئك المتلطين وراء الجيش العربي السوري والذين يحملونه مهمة الحسم النهائي إنما يحملونه، علموا بذلك أم لم يعلموا، مسؤولية الحسم ضد واشنطن وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وتركيا والسعودية وقطر وتنظيم القاعدة بفروعه المختلفة.. وبكلمةٍ واحدة يحملونه مهمة الحسم ضد العالم الغربي جميعه، ولو كانت تلك مهمة واقعية فهي أكثر مهمات العصر «ثوريةً».. ولكنها ليست كذلك.
على هذا الأساس، فإنّ المهمة الثورية الحقة والوطنية هي الحفاظ على تماسك الجيش وعلى الوحدة الوطنية وإيقاف الكارثة الانسانية المتعاظمة في سورية، وهذه المهام لا يمكن تحقيقها بغير إعادة مركز ثقل المسألة السورية إلى الداخل، والحفاظ عليه في الداخل..
أما عن إعادة مركز الثقل إلى الداخل فهذه لا يمكن إنجازها «بالحسم العسكري» ولكن بإرغام دولي لجميع المتدخلين الدوليين بالتراجع عن تدخلاتهم، وهو أمرٌ قابل للتطبيق ضمن تطور التوازن الدولي الجديد الذي فرض انعقاد جنيف والذي لا يبدو أن حتّر يستوعبه ويفهم معانيه، ولكن يتغنى بطريقة متشددي النظام والمعارضة الذين يضعون إشارة مساواة بين روسيا وأمريكا ويعتبرون ما يجري تحاصصاً دولياً لا صراعاً بين متقدم ومتراجع، بين جديد وقديم..
وأما عن الحفاظ على مركز الثقل في الداخل فهذا يتم بإيقاف العنف الداخلي البيني بين السوريين أنفسهم والذي لا يراه حتر أيضاً، ويتم بإرساء أسس العملية السياسية بحيث تضمن الاحتكام إلى رأي الشعب السوري حقاً وفعلاً.. ألا يذكر السيد ناهض الذي يتحدث عن «دمشق1» اللقاء التشاوري تموز 2011 وتوصياته الثمانية عشرة التي لم ينفذ النظام شيئاً منها؟!
إنّ الأزمة السورية، أزمة وطنية عميقة وشاملة، وبتطورها من خلال تزايد التدخل الخارجي غير المباشر المترافق مع تضييع النظام لفرص الحل الداخلي الواحدة بعد الأخرى، وصلت سورية إلى ما نحن فيه الآن، ولم يعد هنالك من مخارج سوى الحل السياسي وعبر جنيف تحديداً.. هل ينبغي التذكير ببعض أرقام عام 2010؟ مثلاً 44% نسبة الفقر؟ أم أن التحليل الطبقي واليساري منفصل عن التحليل الوطني والقومي؟
أما عن كلام حتر عن الانتماء إلى «معارضةٍ كهذه» ويقصد ائتلاف الدوحة فهذا كذب علني صفيق. إننا في حزب الإرادة الشعبية نرى أنفسنا معارضة للنظام وقسم عريض من معارضته على حد سواء إذا إن اختلافات الطرفين البرنامجية في المستويين الاقتصادي- الاجتماعي والديمقراطي ليست بالاختلافات الكبيرة، أما عن الجانب الوطني فليس لأحد أن يزاود على وطنيتنا وبخاصة ذلك الذي لا يرى في النضال ضد وادي عربة أولوية..
في النهاية فإن جنيف-2 هو حل وحيد للأزمة السورية وليست هناك حلول أخرى، ومن يراهن على فشله ينضم - شاء أم أبى- إلى معسكر الفاشية الجديدة الصهيو-عربي المراهن على استكمال إحراق سورية من الداخل.. فهل هذا ما «يناضل» من أجله ناهض حتر وأمثاله؟