جغرافيا الدم..
لايستدعي الأمر كثيراً من المتابعة حتى يرى المتابع ذلك الخيط الذي يربط بين ما يجري في العراق وسورية ولبنان هذه الأيام )اللقيس ودلالات الحدث - شطح وتوقيت الحدث – عدرا وتداعيات الحدث – الوضع في الأنبار وما كشف عنه الحدث) المشهد يبدو واحداً من حيث نزف الدماء، والتوظيف الإعلامي والسياسي باتجاه تفجير شرق المتوسط طائفياً، الأبواب باتت مشرّعة للولوج إلى الفوضى الشاملة...هل هناك من سيلجم؟
ديموغرافيا بلدان شرق المتوسط متشابهة، المشروع الدولي بخصوص المنطقة مشروع واحد، البنى السياسية الحاكمة والمعارضة تنتمي إلى الفضاء السياسي ذاته، وبالتالي منطق التفكير وزاوية الرؤية تكاد تتطابق أحياناً، والأمور تقاس بنتائجها، بغض النظر عن نوايا هذا الطرف أو ذاك!!؟
الأزمات (الأزمة) في بلدان شرق المتوسط أستدرجت الدم، والدم عمق الأزمة، الدم هنا يُراد أن يكون له (هوية) طائفية أو عرقية أو دينية، فاستحضر البعض من هنا وهناك ثقافة (أحادية الظلم والاستهداف).. فباتت هذه الأخيرة كتيار متناوب يفعل فعله في صنع وعي ارتدادي رجعي في بعض الأوساط، وفي كتابة أحد فصول التراجيديا الشرق أوسطية.
هذا الوعي الارتدادي الذي يساهم الجميع في ترسيخه اليوم من حيث يدرك أو لايدرك، يشكل المقدمة الأساسية لما هو أدهى وأخطر، يشكل بوابة فرض الانتماء الـ ما قبل الوطني على الجميع، باعتبار أن الإنسان – المواطن كائن اجتماعي ولديه نزوع طبيعي للاحتماء في ظل تصدع بنية الدولة الراعي والحامي الافتراضي للجميع.
إذا كان شكل التطور التاريخي لبلدان المنطقة، من زاوية عدم إنجاز الدولة الوطنية لمهامها التاريخية تشكل الأرضية الموضوعية لتفجر مثل هذه الصراعات، فإن أدوات تعميق وترسيخ وقوننة هذه الإشكالية الموضوعية هي بالتأكيد تلك القوى التكفيرية الطائفية، التي دخلت على خط الأزمة والتي يتم توظيفها لإنهاك كل البنى القائمة، كما يريده المشروع الأمريكي – الخاص بالمنطقة.
بمعنى آخر إن ما يجري على كامل إقليم شرق المتوسط من استفحال شبح الإرهاب الآن في ظل التوازن الدولي الجديد، هي محاولة من القوى الفاشية في الإدارة الأمريكية، وعبر أدواتها الاقليميين أوالمحليين في كل بلد التحكم بشكل التطور اللاحق لكامل بلدان المنطقة قبل أن يتبثت التوازن الدولي الجديد بشكله النهائي ويعطي نتائجه الملموسة، وهي في جانب منها ضربة استباقية للحلول السياسية التي بدأت تلوح في الأفق، أي أنه التفاف على التوازن الدولي الجديد، فمن جهة هناك (تبريد) تهدئة ظاهرية للمواجهة المباشرة مع الخصوم، ومن جهة أخرى تسخين الجبهة معهم عبر الأدوات في هذا الإقليم الذي ربما يحدد المنتصر فيه اتجاه تطور الوضع الدولي خلال العقود القادمة.
ثنائي النفط، والطائفية:
إن أخطر ما في الوكيل المحلي هو استثمار تزاوج النفط والسلفية، فالأول بما له من قوة مادية، قادرة على توظيف الليبرالي والماركسي والقومي وشراء النخب، وتأمين الدفق الإعلامي في حربه المقدسة ضد الطرف الآخر، والثاني بما له من قوة معنوية، لتكتمل بذلك معادلة القوة في أية حرب مفترضة ذات طابع غرائزي.
ما يتناساهُ من يدور في فلك هذه المشاريع، أن محاولة تعميم الفوضى في المنطقة عبر الصراع الطائفي مصيرها الفشل لسببين اثنين على الأقل رغم كل الدم المقدس الذي يسفك:
• إنها تخالف منطق التطور التاريخي العالمي، وتناقض توازن القوى الدولي الجديد.
• إن شعوب المنطقة أثبتت وبالملموس عدم استعدادها للدخول في حرب عبثية كهذه، واذا كانت القوى الفاشية قد حققت اختراقات جزئية هنا وهناك، فإن السمة العامة للمزاج الشعبي ورغم كل الدمار الروحي الذي خلفته الأزمة هو الميل نحو حل الصراعات سلمياً.