الدور السعودي واللعب في الوقت بدل الضائع!؟

الدور السعودي واللعب في الوقت بدل الضائع!؟

يدور الحديث في وسائل الإعلام المختلفة عن خلافٍ ما بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة السعودية، في الموقف المتعلق بالعديد من الملفات الإقليمية الساخنة، كالاتفاق الإيراني - الغربي، وفي الموقف من عقد مؤتمر جنيف الخاص بالأزمة السورية، ولم يخلو الأمر من مواقف ملموسة تجلت في رفض السعودية أن تكون عضواً غير دائم في مجلس الأمن..

في هذا السياق تتعدد التحليلات والتفسيرات المتعلقة بهذا الخلاف الذي خرج من الأروقة ليصبح مادة في وسائل الإعلام بين «الحليفين» التاريخيين، الأمر الذي يفترض الوقوف على ماهيته، ودراسة أسبابه الحقيقية وعدم الاكتفاء بالقراءة الانفعالية التي دأب عليها البعض في الإعلام الرسمي، لاسيما وإن جانباً هاماً من الخلاف كما هو ظاهر يتعلق بالموقف من الحل السياسي للأزمة السورية.

توازن دولي جديد، وقائع جديدة!

لا يمكن تحليل أية مسألة دولية أو إقليمية أو حتى محلية أحياناً، في أية منطقة من المناطق في الظرف الراهن، تحليلاً علمياً صحيحاً دون الاستناد إلى جوهر الظاهرة التاريخية الجديدة التي تتحكم باتجاه سير الملفات الساخنة في كل أصقاع العالم، ونقصد بهذه الظاهرة التوازن الدولي الجديد الذي يتجلى بصعود الدور الروسي الصيني في مواجهة الاستفراد الأمريكي بالهيمنة على القرار الدولي خلال أكثر من عقدين من الزمن. فهذا التوازن الذي تثبّت كأمر واقع خلال العام الجاري، بات هو - وليس غيره - من يحدد مواقع اللاعبين الإقليميين، ودورهم، وهوامش حركتهم، ومصيرهم اللاحق..
وإذا كانت القوى الأساسية في الإدارة الأمريكية تتفهم - مكرهةً - شيئاً فشيئاً حقيقة بروز قوى دولية منافسة يتطلب الوضع التفاهم معها في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة، وإذا كان المنطق البراغماتي الأمريكي يدفع إدارة أوباما إلى القبول بالأمر الواقع الجديد، والقبول بتسوياتٍ هنا وهناك، فإن بعض الأتباع التاريخيين أصابهم الذهول، ولم يستطيعوا استيعاب ما يجري فحاولوا التغريد خارج السرب، لتبدو أصوات نشاز في الأوركسترا التي يديرها المايسترو الغربي والأمريكي تحديداً على مدى نصف قرن وأكثر.. إن هذا المايسترو بما يمتلك من خبرة، وبمعرفته لما في جعبته من أوراق متهالكة، يحاول التكيّف مع التوازن الدولي الجديد، للحصول على ما يمكن الحصول عليه، تجنباً لفقدان كل شيء، بما فيه استعداده للتخلي عن مصالح ودور ومواقع حلفائه هنا وهناك إذا تطلب الأمر.

التابع السعودي.. يتحول إلى عبء!

لم تكن المملكة السعودية تاريخياً رقماً بحد ذاتها في المعادلة السياسية الاقليمية، إلا في إطار المهمة المنوطة بها في استراتيجيات الغرب الاستعماري، ورغم ما يوفره الريع النفطي المدعّم بالرمزية الدينية للدولة السعودية من إمكانية لذلك، فإن مصدر «القوة» الأساسية لهذه المملكة كانت على الدوام هي في مدى تبعيتها وإسهامها في تسويق المشاريع الغربية، وإذا كانت مواقفها مؤخراً تتمظهر بشيء من «الاستقلالية» فإن هذه المواقف ليست إلا استمراراً لتلك التبعية، لكنها ليست تبعية للقوى العاقلة في الإدارة الأمريكية التي تكيّفت مع المعادلة الدولية الجديدة، بل تبعية مباشرة لقوى الفاشية الجديدة التي ما زالت تقبع في بعض أركان تلك الإدارة  ومراكز النفوذ والتأثيرالمختلفة، من أصحاب خيار الحرب المفتوحة والتي تعيش حالة إنكار تجاه الواقع الدولي الجديد، ولعل هذه التبعية تفسر المواقف السعودية من التسوية الغربية - الإيرانية، واحتمالات تسوية سلمية للأزمة السورية، فقوى الفاشية الجديدة هناك وكما أفصحت مراراً وتكراراً، ليست مع الموقف الرسمي الأمريكي الذي يتجه نحو التوافق.

مركز إقليمي للفاشية الجديدة

تعتبر المملكة السعودية المركز الإقليمي لقوى الرأسمال المالي الدولي، وفصيلها الصدامي المتجسّد بالفاشية الجديدة، فهي الراعية والممولة لحركات التكفير الديني، وهي التي تمنحها الغطاء الإيديولوجي وهي التي تصعّد السّعار الطائفي، وتضع بذلك نفسها في موقع العبء على حليفها وسياسته الرسمية المعلنة الآنية، وهذا ما سيحدد مصيرها اللاحق، لأنه وكما أسلفنا فإن المصدر الأساسي للدور والنفوذ السعودي  كان في مدى تبعيته و توافقه مع المشاريع الغربية التي تتبناها دوائر صنع القرار الأساسية، والتي أدركت أنه لايمكن تمرير مشاريعها ومصالحها بالطريقة السابقة، وبالتالي فإن السير السعودي بغير الاتجاه المطلوب من قبل إدارة أوباما، يعني أن السعودية تلعب في الوقت بدل الضائع، لاسيما وأن القوى الفاشية المتبقية في الإدارة الأمريكية والتي تستمد السعودية قوتها وموقفها الناشز منها، باتت في وضعٍ لا تُحسد عليه، في ظل رفض كل القوى العاقلة في العالم خيار الحروب والتطرف والإرهاب، والأهم في ظل سؤال البشرية عن ضرورة إيجاد نظام بديل بعد أن أوصلت قوى الرأسمال المالي الفاشية الحضارة البشرية برمتها إلى حافة الهاوية.