مرة أخرى... حول جنيف والوفد الموحد!
ونحن على أعتاب مؤتمر جنيف يتصاعد الحديث مرة أخرى عن وفد موحد للمعارضة تحت راية ما يسمى الإئتلاف الوطني السوري، ليؤكد وللمرة الألف على البؤس المعرفي والسياسي والأخلاقي الذي تعاني منه بعض قوى المعارضة السورية، التي تسعى إلى مثل هذا الأمر وتعمل من أجله، وكأنه الهدف الأسمى الذي لا يعلو عليه هدفٌ آخر، أو كأن تمثيل المعارضة هو هدف بحد ذاته، بل أكثر من ذلك وكأن مؤتمر جنيف لا يمكن أن ينعقد دون تشكيل الوفد العتيد الموحد، ليكشف هذا الموقف مرة أخرى عن تهافته ولا مسؤوليته تجاه ما جرى ويجري للبلاد والعباد.
المنطق السليم يفترض النظر إلى المؤتمر على أنه أداة دبلوماسية، تتشابك فيه عوامل داخلية وخارجية وإقليمية لتغيير المسار الدراماتيكي الدموي للأزمة السورية، وبالتالي فإن القضايا الشكلية يجب ألا تصبح عائقاً أمام الهدف الأسمى وهو انطلاق العملية السياسية وإيقاف طاحونة الدم الدائرة على الأرض السورية، والتي يعتبر المؤتمر الدولي المنشود أداتها الأساسية، وربما الوحيدة بعد أن وصلت الأوضاع إلى ما وصلت إليه، لا سيما وأن خريطة المعارضة السورية على درجة من التعقيد لدرجة أن الحديث عن وفد موحد ضمن المواقف الحالية لبعض قواها هو ضرب من العبث، بسبب تناقض البرامج والرؤى والسياسات والمواقف.
في التجربة السورية المعارضة، يجب الانطلاق من الخصائص السورية نفسها، فالقوى المحسوبة على المعارضة تتوزع بين كل التيارات الدينية - القومية - اليسارية، ومنها من يجاهر بعلاقاته الدولية، ومنها من يعلن أنه مستعد ليتحالف مع الشيطان للوصول إلى السلطة.
في حين أن جزء آخر منها وطني في بنيته وتوجهاته ويرفض التدخل الخارجي، وفي نفس الوقت يدعو إلى التغيير الجذري الذي يطالب به الشعب السوري، ليكسر بذلك النموذج الذي تم تسويقه في العديد من بلدان المنطقة كالعراق مثلاً. أضف إلى ذلك أن بعض القوى المعارضة ذات البنية والخطاب الطائفيين، غير مؤهلة لتمثيل كل السوريين أصلاً، وهي مثلها مثل الجزء الفاسد من النظام، تنتمي إلى ذلك الفضاء السياسي القديم الذي تجاوزه الزمن.
إن أية محاولة قسرية لتشكيل وفد موحد للمعارضة ضمن المعطيات والمواقف الراهنة، هو إما نتاج جهل بالخارطة السياسية السورية في أحسن الأحوال، أو محاولة لوضع عراقيل جديدة لعقد مؤتمر جنيف في توقيته المحدد والمعلن، الأمر الذي يعني المزيد من سفك الدماء والمزيد من التعقيد.