افتتاحية قاسيون 629 : عرقلة «جنيف» من الكلام إلى الفعل!
تدحرجت مواقف القوى الرافضة للحل السياسي خلال الشهر الأخير، وانتهت إلى إعلانها جميعاً على موافقتها على حضور «جنيف2» وبدئها التحضير له ..
فأغلب القوى التي تراوحت مواقفها بيت التشكيك بنجاح جنيف، وبين التشكيك بانعقاده، وبين رفضه، أقرت الآن بأن جنيف سينعقد وبأنها ستحضره، ولكن المتشددين في الأطراف جميعها إذ قبلوا بحضور جنيف تحت ضغط التوافق الدولي والإقليمي ودرجة الاستنزاف الداخلي السوري وما يوازيه من ميل شعبي عام نحو الحل السياسي، فإنّ هذا لا يعني بحال من الأحوال رضاهم عن انعقاده وعن نتائجه المتوخاة دولياً وإقليمياً، والأهم شعبياً. ولذلك فقد استمر هؤلاء المتشددون في العمل الحثيث على إعاقة جنيف والتحضير له على طريقتهم.. عبر تأخيره وكسب الوقت للضغط على نتائجه مسبقاً..
تندرج القوى المتشددة والممانعة لحلٍ سياسيٍ في سورية ضمن مستويات ثلاثة، الأول هو القوى الدولية المنتمية للفضاء السياسي الدولي القديم (فضاء الأحادية الأمريكية)، وممثلها الأهم هو رأس المال المالي الإجرامي الدولي، وأداته الفاشية المتمثلة بالقاعدة وفروعها، والثاني هو القوى الإقليمية التابعة للمعسكر السابق وعلى رأسها السعودية إضافة إلى القوى الإقليمية التي تملك اليوم تأثيراً مباشراً في الشأن السوري عبر التدخل الخارجي واستمرار العنف، والتي يهددها جنيف بتقليص تأثيرها إلى الحدود الدنيا عبر فرضه وقف التدخل الخارجي، والمستوى الثالث هو قوى الفساد الداخلية وكل أمراء الحرب الذين اغتنوا وانتفخوا خلال عمر الأزمة وقبلها وباتوا يخافون من أي تغيير يمس بتفردهم بنهب الشعب السوري، فكيف الحال إذاً مع وجود تيارات شعبية حقيقية تسعى لوقف كل أنواع النهب، لا إلى إعادة تقاسمه بين ناهبين قدماء وناهبين جدداً؟!
إن أشكال الإعاقة الضمنية التي تمارسها هذه القوى متعددة ومتنوعة، من رفض تحضيرات جنيف التي تدعو إليها موسكو، إلى إعادة العزف على سيمفونية الحلول العسكرية الأحادية، وصولاً إلى المزاودة القائلة بأن الذاهبين إلى جنيف لا يمثلون الشعب السوري وبالتالي لا شرعية لهذا المؤتمر. ولكن كل الإعاقات تبقى في إطار الفعل ولا تنتقل إلى الخطاب السياسي للقوى المعيقة إلا لماماً، بما يعني أن هذه القوى اليوم أضعف من أي وقت سابق وممانعتها للحل السياسي أقل من أي وقت مضى..
إنّ عدم تمثيل الحاضرين في جنيف للشعب السوري كلام حق يراد به باطل، فإذا كان الحاضرون في جنيف لا يمثلون الشعب السوري تمثيلاً عددياً فإنّ جنيف-2 بذاته يمثل إرادة السوريين في وقف استنزاف بلدهم، تلك الإرادة المتوافقة مع الميل الدولي والإقليمي الذي يفرضه التوازن الدولي الجديد، فجنيف بمهماته الثلاث الأساسية (وقف التدخل الخارجي بجميع أشكاله، ووقف العنف وإطلاق العملية السياسية) هو اليوم مطلب الأكثرية الساحقة من السوريين، وهم المتضررون المباشرون الذين يدفعون دماً وبرداً وجوعاً وتشريداً ثمن «عنتريات» المتشددين المتمترسين خلف مكاتبهم وفي فنادقهم من الطرفين..
إن للقوى المتشددة كل الحق في فزعها من جنيف، ذلك أن إعادة مركز ثقل القضية السورية إلى الداخل السوري، إذ يسمح بانخفاض صوت الرصاص، أياً كانت مسوغاته، والذي تختبئ في ظله- بغض النظر عن تلك المسوغات- مشاريع الناهبين في الطرفين، فهو سيسمح أيضاً بإعادة اصطفاف السوريين على أساس مصالحهم العميقة الوطنية والاقتصادية- الاجتماعية والديمقراطية، عبر برامج عمل وطنية، لا على أساس خوف السوريين من بعضهم بعضاً، الأمر الذي يتعارض كلياً مع مصالح قوى الفساد في طرفي الصراع العنيف