ملاحظات سريعة حول الرؤية
يستطيع المتتبع لحالة اللجنة الوطنية ولحزب الإرادة الشعبية عن كثب، أن يتبين مدى الجهد المبذول لحصر كمٍ كبير من عناصر الرؤية التي تمّ انتاجها على مدى أكثر من عشر سنوات ضمن حجمٍ صغير يقارب 1500 كلمة
ولكنه يلاحظ أيضاً أن بعض الأفكار الأساسية لم تلق المعالجة المطلوبة في مشروع البرنامج مقارنة مع مستوى معالجتها المتحقق فعلاً على صفحات قاسيون.. وإذ لا شك أن مهمة التكثيف هي مهمة ليست بالهينة إطلاقاً، فإن ما سنحاول الإضاءة عليه هو بعض الجوانب الأساسية التي نرى أن لا بد من تعميق معالجتها ضمن الرؤية:
أولاً: في الفقرة التي تناقش مفهوم الثورة بشكلها المعاصر باعتبارها تجاوزاً للمفاهيم التقليدية عن الثورة نتيجة الوضع الجديد الملموس المتمثل بجهاز الدولة المتضخم، يجب توضيح الآلية التي لا تتناقض فيه هذه الفكرة، بل تتكامل، مع فكرة ماركس التي تثيت صحتها اليوم والتي أوردها في كتابه «الحرب الأهلية في فرنسا» القائلة بأن على البروليتاريا لا أن تستلم السلطة فقط بل وأن تحطم جهاز الدولة القديم بتقاليده وطريقة عمله وقوانينه.. وربما يتلخص ذلك بتحطيم جهاز الدولة القديم من داخله وخارجه بالتزامن مع عملية بناء الجديد..
ثانياً: إن تطوير مقولة الحل المركب الذي تمثل في توضيح آليتها الداخلية- الليبرالية باعتبارها أداة إفساد وإنهاء الشق المدني من جهاز الدولة، والخارجية- العسكرية باعتبارها أداة تحطيم الشق العسكري من جهاز الدولة، ربما يجب أن توضح أن الأجهزة الأمنية ليست إلا جزءاً من الشق المدني لجهاز الدولة والتي تم إفسادها خلال الحقبة الليبرالية، في حين يتمثل الشق العسكري في الحالة السورية بالجيش العربي السوري حصراً في تمميز واضح بينه وبين الأجهزة الأمنية..
ثالثاً: من الجيد تطوير الطرح التاريخي المتعلق بوحدة مصالح الشعوب العربية نحو اتحاد شعوب الشرق العظيم، ولكن الربط بين العمليتين وتطوير الأولى باتجاه الثانية لم يأخذ شرحه المقنع، هذا من جهة. ومن الجهة الأخرى فإن موضع الفقرة ضمن الرؤية يشكل قطعاً لتدفق الأفكار التي سبقتها وتلتها.. ولذلك فإن المطلوب هو تطوير الفكرة داخلياً وتطوير علاقتها بالبنيان الكامل للرؤية..
رابعاً: الحديث عن قطب الشعوب أغفل شعوب دول المركز التي لا تقل نضالاتها شأناً وتأثيراً عن نضالات شعوب دول الأطراف وشعوب دول البريكس، وبإضافتها يصبح قطب الشعوب مكوناً من ثلاثة أقسام هي شعوب العالم الثالث التي تستكمل تحررها الوطني وتجد نفسها أمام النظام الرأسمالي العالمي وجهاً لوجه فيندمج نضالها الاجتماعي مع نضالها الوطني، وشعوب بريكس وشبيهاتها التي بدفاعها عن سيادتها واستقلالها تجد نفسها هي الأخرى في مواجهةٍ حتمية مع الرأسمالية، وشعوب المركز التي سيتضح فيها النضال الطبقي بأكثر صوره مباشرة مع تعمق الأزمة الرأسمالية العالمية وميلها نحو الحروب
خامساً: إن تراجع الولايات المتحدة عن عدوان عسكري على سورية، ربما يقدم فكرة إضافية ينبغي التقاطها وهي بعد بذرة، تلك الفكرة القائلة باحتمال «الانهيار بالمكان» للمنظومة الرأسمالية دون حروب، فالقول بأن الرأسمالية محكومة بالحرب وبتوسيع رقعة الحرب يبقى صحيحاً من حيث الأساس ولكنه يقبل تطويراً من نوع: إن لجم الحرب الرأسمالية ربما يتحول من إمكانية إلى واقع يؤدي بها إلى الانهيار دون ضجة وآلام إضافية في حال تمكنت قوى السلم العالمي من لجمها ومنعها من الانطلاق إلى الحرب..