الفقراء ينهضون من جديد
بدأت تتكون في المناطق المختلفة من البلاد حالات من الرفض الصارخ ضد المسلحين التكفيريين على الأرض وجميع المسلحين عموماً،
عبروا عنها بشكل أساسي بمظاهرات سلمية كان أبرزها:
مظاهرات شملت مناطق عدة من حلب، وقوبلت بالرصاص والأسلحة الثقيلة من المسلحين مما أدى إلى استشهاد العديد من المواطنين. مظاهرات في دير الزور ووجهت أيضاً بالرصاص، مظاهرات الرقة استمرت عدة أيام رفعت شعارات متقدمة من حيث المضمون السياسي (الشعب يريد دولة مدنية).
مظاهرات غوطة دمشق الشرقية في مدينة دوما، وكفر بطنا حيث رفعت شعارات ضد قائد لواء (الرضوان) وضد الهيئة الشرعية، وضد الجيش الحر حيث سقط ما يقارب الـ 16 شهيداً جراء إطلاق نار من راجمة صواريخ عليهم في ساحة كفر بطنا، مظاهرة في حمورية رفعت شعارات يسقط الجيش الحر بدنا الجيش النظامي، مظاهرة في منطقة زبدين حمل فيها المتظاهرون العصي.
إن تطور الحراك الشعبي السلمي بخبرته المتكونة تحت النار وشعاراته المعادية في مضمونها للقوى الظلامية، والتكفيرية، المؤيدة للجيش العربي السوري باعتباره جيشاً وطنياً ضامناً لوحدة البلاد والعباد« تحالف جيش، وشعب» سيؤدي إلى تغيير مسار المعركة باتجاهها الصحيح، باتجاه التغيير الحقيقي، باتجاه سورية المقاومة، الديمقراطية المتطورة، وسيقطع الطريق على القوى الساعية بأشكال مختلفة الداخلية منها والخارجية بأن تسير بمشروعها السياسي إلى نهاياته، حيث كانت البدايات مع السياسات الاقتصادية ـ الاجتماعية الليبرالية التي جرى تبنيها ما يقارب العقدين من الزمن، ولا تزال قوانينها سارية المفعول بالرغم من نتائجها الخطرة التي أصابت الوطن برمته بشراً وحجراً، لعبت تلك السياسات دوراً مهماً في تعميق جملة من الأزمات الاجتماعية، والاقتصادية، يأتي في طليعتها أزمتا الفقر والبطالة في الأرياف، والمدن العشوائية المحيطة بالمدن الرئيسية من جميع الجوانب والتي تحوي داخلها خزاناً بشرياً كبيراً من الفقراء والعاطلين عن العمل، وتعكس التحولات العميقة في المجتمع السوري، حيث باتت الفوارق الطبقية واضحة (أغلبية فقيرة، أقلية غنية)، الأغنياء قلمهم أخضر سطروا به القوانين التي من خلالها تمت أكبر عملية نهب للثروة الوطنية مدعومين بجهاز دولة منخور بالفساد.
الفقراء هم أغلبية الشعب السوري، مغلوبون على أمرهم مسدودة أقنية التعبير لديهم، حيث لم يتمكنوا من إيصال وجعهم السياسي والاقتصادي إلى حيث يجب أن يصل محكومون بقوانين وتشريعات تمنع عنهم استخدام وسائل الدفاع السلمي عن مصالحهم وحقوقهم المختلفة. كل شيء مصادر لمصلحة الأغنياء كل شيء مسخر في خدمة نهب الثروة من الذين يستحقونها باعتبارهم منتجيها إلى من لا يستحقونها وهم مستهلكوها.
قوى الفساد الكبير والقوى الاستعمارية وأدواتهم وعوا مخاطر الحراك الشعبي السلمي في حال تطوره منذ البدايات، من حيث شعاراته ومطالبه التي عبر عنها سلمياً. تم تغيب الحراك الشعبي السلمي سياسياً وأمنياً بفعل كلا الطرفين. ولكن هذا الفعل سيكون مؤقتاً لينهض من جديد ويتكون مرة أخرى، وهو يتكون الآن، وبأشكال مختلفة في مختلف المناطق وقد تعلم من تجربته الخاصة، يعبر عن نفسه من خلال السخط والتذمر على الوضع المعيشي الذي وصل إلى حد الموت جوعاً بسبب الحصار الخارجي وبسبب السياسات الاقتصادية الداخلية المستمرة بتحصيل الثمن من جيوب الفقراء وعدم تحميل الأغنياء ثمن نهبهم المستمر للقمة الشعب. ويضاف حصار جديد على لقمة الناس إلى جانب الحصارات السابقة، هو حصار المسلحين للمواطنين القاطنين في مناطق سيطرتهم بكل الأشكال مثل منع الفلاحين من جني محاصيلهم الزراعية بحجة حصار النظام، بالإضافة لهيئات «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» و«الهيئات الشرعية» التي يجري من خلالها إخضاع السكان وفرض القوانين المتخلفة التي تتعارض مع ما خرج من أجله الحراك الشعبي في بداياته (الحرية والكرامة) حيث كان يحاول انتزاع حقوقه السياسية والاقتصادية والديمقراطية.