مناورات ما قبل المؤتمر الدولي
برزت في الأيام القليلة الماضية مؤشرات عديدة تغري قارئها بالوصول إلى استنتاج مبسط مفاده أن المؤتمر الدولي حول سورية مسألة قد طويت ووضعت جانباً، الأمر الذي لا يخفي متشددو الطرفين بهجتهم به، بل وأملهم في تحوله من «استنتاج أولي» إلى واقع. بيد أن الواقع ذاته يشير إلى ما يخالف ذلك تماماً
إن التصريحات الأمريكية الأخيرة حول التسليح وحول منطقة حظر جوي مفترضة من جهة الأردن، وتسخين ما بات يسمى «ملف الكيميائي السوري» ودفعه إلى الواجهة، مضافاً إلى ذلك إبقاء قوات من طائرات ف16 ومن بطاريات باتريوت الأمريكية في الأردن «بناء على طلب من المملكة» حسب ما صرح أحد الناطقين باسم البنتاغون، وبالعديد من المواقف التصعيدية الشبيهة لكل من بريطانيا وفرنسا ومصر وغيرها.. إن جميع هذه المواقف والتصريحات ورغم ما توحي به من تغيير حاد لخط السير باتجاه المزيد من العنف، وليس باتجاه الحوار أو «التفاوض» فإنها ليست سوى مناورات تهدف إلى تحسين «الوضع التفاوضي» خلال المؤتمر الذي سيعقد بصفته ضرورة موضوعية سورية، وبصفته نتيجة لتوازن دولي محدد، لم يعد في مصلحة واشنطن التي تحاول بمناوراتها هذه تعديل ذلك الميزان..
وإنّ ما ينبغي الانتباه إليه هو أن مجمل المواقف التي تطلقها القوى الدولية المختلفة حول سورية، لا تتعلق بسورية وبأزمتها فقط، ذلك أن سورية اليوم، ولأنها ساحة مفتوحة للصراع، فإنّ الصراعات التي تجري عليها وحولها لا تتعلق بها وحدها، وإنما تتعداها لجملة من القضايا والمشكلات ضمن الصراع الدولي المستعصي بين القطبين الأساسيين المتمثلين في كل من مجموعة دول البريكس من جهة وحلف الناتو من جهة ثانية في صراعهما الذي يمتد على مساحات واسعة من العالم، وربما يمتد إلى العالم كله..
وانطلاقاً مما سبق، ومن كون انعقاد المؤتمر الدولي أمراً حتمياً، فإن ما ينبغي التركيز عليه هو عزل كل الأصوات الضارة الناشزة لأوهام «الحسم» و«الإسقاط»، والعمل على تعميق الفرز الوطني والطبقي استعداداً للمعارك السياسية القادمة التي تسعى واشنطن وحلفاؤها خارج سورية وداخلها لتحويلها إلى تمثيلية ديمقراطية تحاصصية طائفية يعيد وفقها فاسدو الطرفين تحاصص سورية فيما بينهم..
إنّ وقف النزيف السوري المستمر ووقف إحراق سورية يتطلب ليس الإصرار على تسريع عقد المؤتمر الدولي فقط، وإنما يتطلب أيضاً حماية لقمة الشعب وصونها، والتوقف نهائياً عن حل مشكلات الموازنة من جيب المواطن السوري عبر سياسات رفع أسعار المواد الأساسية، وبدلاً عن ذلك تأمين الموارد من جيوب «حيتان» الفساد الذين يجولون ويصولون ويضغطون بقواهم ضمن جهاز الدولة وضمن المجتمع لتكريس سياسة رفع الدعم والمضي قدماً في اللبرلة الاقتصادية سيئة الصيت..
كما أن رفعاً حقيقياً للأجور أصبح حاجة ملحة لا يمكن التغاضي عنها، ليس لكي يصل السوريون إلى الحد الأدنى لمستوى المعيشة، لأن جلهم اليوم أدنى منه بكثير، بل ليحافظوا على خط البقاء الذي بدؤوا يهوون تحته بأعداد متزايدة يومياً..