مشاهد أخيرة من «فيلم أمريكي طويل»!
أظهر الاجتماع الأخير لحلف الناتو، الاشتغال الأمريكي العلني من أجل التصعيد على المستوى الدولي، وتحديداً باتجاه روسيا. ترافق ذلك مع مؤشرات يمكن أن يفهم منها أن هنالك نية أمريكية في تأخير جملة الحلول السياسية الموضوعة على الطاولة الدولية (سورية- أوكرانيا- اليمن)..
يبدو واضحاً بالمقابل، أنّ تصعيد اللهجة الأمريكية، يهدف إلى دفع الحلفاء (والأوربيين خاصة)، نحو مواقف تصعيدية تحت التهديد بخطر الإرهاب من جهة، وتحت التهديد بوهم الخطر الروسي من جهة أخرى. رغم المحاولات كلّها فإنّ الوقائع والمصالح «أشياء عنيدة»، ولذلك يصعب تجاوزها.. هذه الوقائع تقول أنّ الاتحاد الأوروبي ماضٍ قدماً نحو التفكك، ليس هو فحسب، بل وجميع المنظمات والمنظومات التي بنيت في عصر مضى، ومن ثم تعززت في مرحلة «الأحادية القطبية»، بما في ذلك حلف الناتو نفسه، وكذلك الأمر مع صندوق النقد والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية وغيرها.
بهذا المعنى، فإنّ رفع العقيرة الأمريكية بالصياح وبالتهديد، يظهر هنا بوصفه محاولة لمنع أو تأخير التفكك والتحلل الجاري موضوعياً، ليس حرصاً على الاتحاد الأوروبي أو على حلف الناتو بوصفهما «تحالفين دوليين»، وإنما تحديداً بوظيفتهما كأدوات للهيمنة الأمريكية، وكأدوات للحفاظ على العالم القديم، عالم «الأحادية القطبية»، عالماً قديماً.
بكلام آخر، فإنّ التصعيد وتأخير الحلول السياسية وجهان لمسألة واحدة هي العمل الأمريكي المستميت على إعاقة ظهور وتظهير ميزان القوى الدولي الجديد.
رغم ذلك كلّه، ولأن الأمريكيين شديدو البراغماتية، ولأنّ الخط الروسي- الصيني الثابت في دعم الحلول السياسية وفي تطويق وإطفاء الحرائق المفتعلة، وفي تقديم فرص التعاون الجدي لمختلف الدول، بما في ذلك «حلفاء واشنطن»، وخاصة الأوربيين والأتراك، فإنّ الأمريكيين سرعان ما سيجدون أنفسهم مضطرين للعدول عن اتجاههم التصعيدي هذا، ولن يتبقى أمامهم من مخرج منطقي سوى أن يدفعوا الحلول السياسية قدماً في محاولة لتصوير أنفسهم رعاة أساسيين لها، علّ ذلك يجير انتصاراً سياسياً دولياً لهم، ويخفف من فاتورة ووطأة انعطافهم وتأقلمهم مع العالم الجديد..