هل يتعلق مصير سورية بالانتخابات الأمريكية؟
ما يزال مسلسل الانتخابات الأمريكية الطويل مستمراً، وما يزال معظم المحللين والسياسيين والمعلقين عالقين عنده. الحلقة الجديدة من هذا المسلسل تتركز حول الربط بين موعد اجراء الانتخابات وبين آجال حل الأزمة السورية لتفترق الآراء والمواقف بين جملة من الاتجاهات والأفكار الأساسية، من بينها:
1- الرئيس أوباما يسعى لحل الأزمة السورية سريعاً، وقبل انتهاء ولايته، لكي يخرج من البيت الأبيض بنصر هامٍ يخلّد اسمه.
2- أوباما يسعى، من خلال عمله على تسريع حل الأزمة السورية، إلى رفع رصيد حزبه، وتالياً تمهيد الطريق للديمقراطيين للفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة.
3- الدول الإقليمية، وجهات داخلية سورية، «تناضل» لتأجيل الحل السياسي ليكون الملف الأول على طاولة الإدارة الأمريكية الجديدة على أمل حدوث خرق أو تغيير ما يصب في مصالحها، (على تناقض تلك المصالح وتضادها)..
4- بوتين قلق ومستعجل لحل الأزمة السورية خوفاً من التغيرات الممكنة ضمن الإدارة الأمريكية، وإنّ الوفاق النادر الروسي- الأمريكي، عبر ثنائي لافروف- كيري وثنائي بوتين- أوباما، ربما سيكون من الصعب جداً إعادة خلق مثيل له.
ويمكن للمتابع أن يضيف عدداً كبيراً من التحليلات المشابهة، ولكن المشترك بينها، والجوهري فيها، جميعها، هو قفزها فوق الحقائق التالية:
1- منذ خطبة الوداع التي ألقاها أيزنهاور سنة 1961، وتحذيره ضمنها من خطر المجمع الصناعي العسكري، وحتى اليوم، فإنّ رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية وجميع موظفيها الكبار، ليسوا أكثر من مندوبين عن هذا المجمع الذي يشغل أكثر من 240 ألف مؤسسة داخل وخارج الولايات المتحدة، ويسهم بالحصة الأعظم من ناتجها. يمكن أن نستثني منهم جون كينيدي الذي اغتيل لإخلاله بـ«العقد الاجتماعي» بين العائلات المالكة للولايات المتحدة والتي توافقت فيما بينها على عدم تولي أي من أفرادها رئاسة أمريكا. إنّ إغفال هذه الحقيقة والتعاطي مع أوباما أو أي رئيس أمريكي بوصفه «سوبرماناً» ليس إلا جزءاً من الـ«show» الإعلامي- السياسي لديمقراطية واشنطن وتحضرها، فواقع الأمور أن أوباما وغيره من الرؤساء ليسوا فقط بعيدين عن أن يكونوا سوبرمانات بل هم لا أكثر من موظفين كبار لدى الشركات الاحتكارية الكبرى.
2- إن التنافس الديمقراطي- الجمهوري، على الانتخابات الرئاسية، هو أيضاً جزء من العرض نفسه، فالحاكم هو نفسه، وتنوع الوجوه هو تنويع للأدوار اللازم أداؤها وفقاً للمرحلة السياسية، وهو بذلك إدارة تكتيكية ضمن خطوط استراتيجية كبرى أساسية.
3- في نطاق أوسع من عمليات «إدارة البيت الداخلي» الأمريكي، فإن ربط مصير مختلف القضايا والأزمات الدولية، سواء بالرئاسة وبالإدارة الأمريكية، أو حتى بأمريكا ككل، هو استناد إلى «دفاتر عتيقة». فقدرة واشنطن على التحكم بمصير العالم، وكونها القطب الوحيد الحاكم للعالم، والذي يتوجب على مختلف الأطراف التعامل معه بحذر عالٍ وانتظار إرادته وتغيراتها، كل ذلك بات من الماضي، فواشنطن لم تعد شرطي العالم، وهو ما تفهمه هي نفسها أفضل بكثير من حلفائها.
4- في السياق ذاته، فإن التسارع الواضح في العمل من أجل تسوية الأزمة السورية أساساً، وإلى جانبها اليمنية وغيرها من الأزمات، يأتي ضمن استراتيجية أمريكية تكيفية، تسعى واشنطن من خلالها إلى تخفيض آثار تراجعها أمام زخم تقدم البريكس، وروسيا خصوصاً، فما يمكن تحصيله اليوم بالنسبة لواشنطن سيغدو مستحيلاً في الغد..
إن بناء مواقف وآراء وتصورات سياسية انطلاقاً من وهم أمريكا- شرطي العالم، وتالياً من وهم التأثير الدولي لانتخاباتها الرئاسية، يأتي في أغلبه نتاجاً لواحد من الأسباب التالية:
1- القصور المعرفي الذي لا يسمح لأصحابه برؤية التغيرات الجارية على الساحة العالمية، ولا يسمح لهم برصد آفاقها وانعكاساتها.
2- القصور المعرفي الناجم عن المصلحة الضيقة لأصحابه الذين ترتبط مصالحهم بـ«أمريكا القطب الواحد»، الأمر الذي يعميهم عن رؤية الوقائع، ويبقيهم في محرابها مبتهلين قدرتها ومنتظرين خروجها عنقاءً من تحت رماد.
3- التوظيف الإعلامي- السياسي، الذي تستخدمه واشنطن نفسها، وبعض من حلفائها، لتأخير وتقليل زخم الاندفاعة المقابلة لدول «بريكس». وهؤلاء يستوعبون بدرجات عمق متفاوتة معنى التراجع الأمريكي واتساع آثاره الحاصلة والمتوقعة، ولكنهم مع ذلك يستفيدون من عطالة الماضي في محاولة تأخير عجلة التاريخ ليأخذوا بعض الوقت المستقطع لترتيب أمورهم بما يتناسب مع الواقع الجديد.