افتتاحية قاسيون 658: كيف نتصدى للفاشية.. سورياً؟
تتسع ظاهرة قوى الحرب الفاشية المدعومة غربياً بشكل مطّرد، ولعل آخر تطوراتها هو ما جرى، ويجري حالياً، على يد «داعش» في العراق.
ولفهم دور هذه القوى، وطريقة عملها، وبالتالي كيفية التصدي لها، فإن ما ينبغي القيام به أولاً هو التخلص من أوهام «رهاب الغرب من الإرهاب». فإذا كان الغرب، بمعنى الشعوب، خائفاً من القوى الفاشية، فإنّ لأصحاب القرارات الاستراتيجية في المركز الفاشي مصلحة أخرى. فهؤلاء هم مصنّعوها وداعموها، وليسوا بخائفين منها كما يروج إعلامهم السائد. وذلك لقدرتهم العالية على ضبطها والتحكم بشبكات تمويلها وإدارتها. بالإضافة إلى أنّ انفلاتها من عقالهم، وإن حدث ذلك في بلدانهم، فإنه سيصب في مصلحتهم أيضاً في إطار مواصلتهم إرضاخ وتخويف شعوبهم المتململة والمتذمرة من الأزمات الاقتصادية المتفاقمة، ومجدداً تحت فزاعة «الخطر الإرهابي».
ما ينبغي الانطلاق منه أيضاً هو التفريق بين الإرهاب والفاشية، فالإرهاب ليس إلا الشكل، ولا يغدو فاشية ما لم يمثل مصلحة رأس المال المالي الإجرامي العالمي، وفي طليعته الصهيوني، ما يعني أنّ كل إرهاب ليس بالضرورة فاشياً، كما يحاول البعض تبسيط الأمور، فيفقدها جوهرها ومضمونها.
في الساحة السورية، فإنّ تنامي الفاشية المعاصرة وتغولها، له عاملاه الخارجي والداخلي. أما الخارجي فيتكثف في التراجع الرأسمالي الحاد والمتسارع بطليعته الأمريكية، هو التراجع والتأزم الرأسمالي الذي أنتج في القرن الماضي فاشية ذلك الزمان، وينتج الآن فاشيته المعاصرة بعالميتها وتنوعها الأيديولوجي وأشكال تمظهرها الجديدة. وهذا الجانب (الخارجي) ينبغي مجابهته بتدعيم الاتجاه العالمي المعادي للفاشية وللصهيونية والانخراط الفعلي فيه، أي ذاك الاتجاه الذي يناضل لردع قوى الحرب عبر تكريس التوافقات والحلول السياسية على اتساع الخارطة العالمية التي تسعى الفاشية لإشعالها باستمرار وتغذية حريقها. وعملية كهذه تحتاج أيضاً إلى تشكيل مظلة إقليمية متوازنة تتوافق على حلول سياسية جدية، بوصلتها مصلحة شعوب المنطقة ككل، لا المصالح الضيقة لهذه الدولة أو تلك. والتعويل في هذه المسألة هو على الدول الإقليمية المعادية للكيان الصهيوني، والتي يجب عليها تطوير مواقفها بشكل مستمر بما يخدم وحدة ومصالح شعوب المنطقة.
في الجانب الداخلي، فإنّ تسرب الفاشيين وتناميهم، جرى ويجري، عبر الشقوق والصدوع داخل سورية، متكئاً على الانقسامات العميقة التي برزت خلال الأزمة الحالية، وهي التي مهدّت لها طرق الحكم المتبعة وجملة السياسات والأزمات الاقتصادية- الاجتماعية الداخلية، بما فيها الارتباط الاقتصادي بالغرب وانتشار الفساد وتغول الأجهزة الأمنية على حريات الناس وأصواتهم، وصولاً إلى ما انتهينا إليه. ما يعني أن محاربة الفاشية داخلياً، وإن كان لها شقها العسكري الضروري، فإن شقها السياسي هو الأساس الذي تشتق منه المهمات عسكرية الطابع، أي رأب الصدوع الداخلية عبر حل سياسي متكامل يفتح آفاق الحل والتغيير أمام السوريين. ويبدأ هذا الحل بتوسيع الهدنات والتسويات، وإخراجها من المنطق الأمني الضيق وتطويرها لتتحول إلى مصالحات جدية وحقيقية على أساس توافقات وطنية، بالتوازي مع توضيح كامل صورة ووضع المعتقلين وحل قضاياهم نهائياً إلى جانب قضايا المخطوفين والمفقودين، والمهجرين داخلياً وخارجياً، إضافةً إلى إطلاق حوار وطني جدّي وندّي ومتلفز يقتنع الناس بجدواه ليلتحقوا به.
باستثناء المتمترسين خلف نظريات المؤامرة الصرفة لا يجادل الكثير اليوم بأن واشنطن ومعسكرها وفاشييها لاحقاً تمكنوا جميعاً من تنفيذ ما يبيتونه من تدخل عدواني في سورية عبر الفجوات والصدوع الداخلية، وإذا كان تجاهل هذه الحقيقة قبل الأزمة وحتى اليوم هو ما ولّدها وما فاقمها، فإن تجاهلها الآن إنما يسهم في تهديد مصير سورية، أرضاً وشعباً.