قدري جميل: الانتخابات الرئاسية لن تفضي إلى تغيير الواقع
نشرت صحيفة الشرق الأوسط عرضاً لحوار أجرته مع د.قدري جميل أمين حزب الإرادة الشعبية عضو قيادة جبهة التغيير والتحرير، وفيما يلي نص ما عرضته الصحيفة:
لا يزال نائب رئيس مجلس الوزراء السابق وأمين عام جبهة «التحرير والتغيير» المعارضة قدري جميل يعيش في روسيا، بعد أكثر من ستة أشهر على قرار إعفائه من منصبه، بسبب «غيابه عن مقر عمله دون إذن مسبق»، وفق مرسوم أصدره آنذاك الرئيس السوري بشار الأسد.
في موسكو، يجد السياسي الشيوعي، الخارج من عباءة النظام إلى صفوف (المعارضة الوطنية) هامشا للتحرك قبل أيام على موعد الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها، مطلع الشهر المقبل، فيعمل بنشاط على خط التواصل مع كبار المسؤولين الروس، لا سيما نائب وزير الخارجية ومبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف، الذي التقاه برفقة وفد من جبهة «التغيير والتحرير» المعارضة قبل أيام.
«جزء من مركز ثقل حل الأزمة السورية بات في الخارج»، يقول جميل لـ«الشرق الأوسط»، مضيفا: «ما دفعني إلى أن أقيم في الخارج للمتابعة والتنسيق، فجبهتنا لا يوجد لها ممثلون في الدول الغربية، مثل بقية الأقطاب المعارضة، أنا الوحيد الذي أمثل الجبهة في الخارج، وهذا هو سبب وجودي خارج سوريا».
يصر المسؤول الحكومي السابق الحائز على شهادة دكتوراه في الاقتصاد من جامعة موسكو على مقاطعة انتخابات الرئاسة في سوريا، لأنها «لن تؤدي إلى تغيير الوضع الحالي، وسيكتشف الجميع ضرورة الاحتكام إلى الحل السياسي الذي يحفظ وحدة سوريا أرضا وشعبا»، مضيفا: «موقفي جرى التعبير عنه عبر بيان صدر عن جبهة التحرير والتغيير، وأكد أن الوضع غير مناسب لإجراء انتخابات رئاسية شاملة وتعددية في سوريا حاليا، لأن أي انتخابات يجب أن تكون استكمالا للحل السياسي الذي بدأ في جنيف، وهذه الانتخابات ليس كذلك. وموقفنا هذا يختلف عن موقف معارضة الخارج التي لا تريد الانتخابات، لأنها لا تعترف بالنظام السياسي، وتريد إسقاطه».
وكانت جبهة التغيير والتحرير المعارضة وتضم 16 مكونا سياسيا أعلنت في 24 أبريل (نيسان) الماضي عن رفضها المشاركة في الانتخابات الرئاسية لأنها «لن تكون شاملة وتعددية في ظل الظروف الراهنة»، مشددة على أنها «لن تكون طرفا في هذه العملية لا ترشيحا ولا تصويتا». واستدعى هذا الموقف حصول انشقاقات داخل «الجبهة»، إذ أعلن رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي علي حيدر انسحابه من «الجبهة»، مؤكدا على «ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها». تعليقا على هذه الخطوة، قال جميل: «علي حيدر تربطني به صداقة، ويحق له أن يأخذ الموقف الذي يراه مناسبا».
وفي حين يرى نائب رئيس مجلس الوزراء السابق للشؤون الاقتصادية أن المشكلة في توقيت الانتخابات، وليس في جوهرها، يشير إلى أن «التوقيت موضوع جوهري. لا يوجد أمر أكثر جوهرية من أن تكون الانتخابات منصة للحل السياسي، وأن يشارك فيها أكبر عدد من السوريين»، نافيا أن يكون الروس قد طلبوا منه تغيير موقفه من الانتخابات الرئاسية: «سمعت عن ذلك في وسائل الإعلام واستغربته كثيرا. الروس لا يتدخلون بهذا الموضوع لا من قريب ولا من بعيد، كما أنهم لا يضغطون على أحد لتغيير موقفه. هم بهذا السلوك يختلفون عن الدول الغربية التي لا تكف عن التدخل في الشؤون السورية. القيادة الروسية تعتبر الانتخابات شأنا داخليا، ودورهم كان ولا يزال تقريب وجهات النظر بين السوريين، ومنع التدخل الخارجي».
وبرغم مقاطعته الانتخابات الرئاسية فإن جميل، المعروف بمواقفه الرافضة للتدخل الغربي في سوريا، لا يتفق مع توصيف الغرب لها بـ«المهزلة»، موضحا أنه «لا يحق لأحد التدخل بالشأن السوري الداخلي، لذلك تقييمات الغرب لا تهمني».
وبخصوص وجود مرشح من بين المنافسين للأسد محسوب على اليسار هو ماهر الحجار، يشير إلى أن «الأخير كان في عداد تنظيمنا، وغادرنا قبل عام، بما أننا تنظيم اختياري. ولكل سوري الحق بترشيح نفسه إذا توفرت فيه الشروط وبما أننا قررنا عدم المشاركة، فسأمتنع عن التقييم».
تراجع حظوظ الحل السياسي بعد إصرار النظام على إجراء الانتخابات، ورد الغرب بمزيد من تسليح المعارضة لا يعني شيئا للمعارض الستيني المصرّ على المضي بحلول سلمية، يقول: «منذ اللحظة الأولى للأزمة قلنا إن الحسم العسكري مستحيل لصالح أحد الأطراف، لأن سوريا جزء من العالم والتوازن العالمي محصلته صفرية. لا بد من الذهاب إلى الحل السياسي الذي يضمن حصول توافقات بين السوريين. وأظن أن مفاوضات جنيف لم تفشل، ما فشل كان الجولتين الأولى والثانية، لكن لا بد من البحث عن بدائل تنعش الحل السياسي وتعيد إحياءه».
عدم التوصل إلى هذا الحل قد يهدد، بحسب جميل، «وحدة سوريا أرضا وشعبا»، مشيرا إلى أن «وحدة البلاد مستهدفة، في حال استمرار الصراع العسكري، لتكريس واقع جديد غايته خلق الانقسام بين المكونات السورية. لكن في الوقت نفسه من النواحي القانونية والدولية لا يمكن تقسيم سوريا».
وفي الوقت نفسه يرفض أن يكون النظام هو من يسعى إلى التقسيم عبر تأمين مناطق موالية له، موضحا أن ذلك «غير صحيح. هناك وقائع ميدانية تفرضها الظروف، لكن النظام لا يسعى إلى التقسيم. لا يوجد أي طرف سوري داخلي يؤيد التقسيم. هذا المشروع مصدره الخارج والدول الغربية».
العلاقات الشخصية التي تربط أمين عام جبهة التحرير والتغيير، مع بعض قيادات الائتلاف الوطني المعارض «لا تعني وجود تواصل مع الائتلاف بشكل رسمي»، أما علاقته مع النظام السوري، فيحصرها جميل بـ«قيادة الجبهة في الداخل التي تتابع الأمور وتنسّق مع بقية الحلفاء من أحزاب وشخصيات في النظام وخارجه»، موضحا أن «الاتصالات بينه وبين النظام معدومة، من دون أن يعني ذلك عدم عودتي إلى سوريا، إذ لا يوجد أي موانع، أمنية أو سياسية، تحول دون عودتي، وحين أرى الوقت مناسبا فسأعود فورا».
وأقيل جميل من منصبه نائبا لرئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية في 29 أكتوبر (تشرين الأول) 2013. حيث صدر مرسوم رئاسي أعفاه من مهامه، نتيجة «غيابه عن مقر عمله ودون إذن مسبق، وعدم متابعته لواجباته المكلف بها كنائب اقتصادي، في ظل الظروف التي تعاني منها البلاد، إضافة إلى قيامه بنشاطات ولقاءات خارج الوطن دون التنسيق مع الحكومة، وتجاوزه العمل المؤسساتي والهيكلية العامة للدولة».
وبث خبر عزل جميل على التلفزيون السوري الرسمي، خلال وجوده على الهواء مباشرة مع قناة «روسيا اليوم»، حيث كان يقول إنه يمثل خلال لقاءاته في جنيف بمسؤولين من وزرة الخارجية الأميركية «جزءا مهما من المعارضة السورية في الداخل».