الهدف : «خطة ب» برعاية جنيف!!
يبدو صلاحيات «الحكومة الانتقالية» التي من المفترض الاتفاق على تركيبتها وتوزيع مقاعدها في «جنيف-2»، الشغل الشاغل لأطرافٍ دولية وإقليمية وداخلية متعددة. وإذا كان البحث والحوار والتفاوض في هذا الشأن بنداً أساسياً في جنيف-2، فهو إضافةً إلى أنه ليس الوحيد فهو أيضاً ليس الأكثر أهميةً!
يلاحظ المتابع لسير تحضيرات جنيف، تركيز معظم أطراف الأزمة على قضية الصلاحيات، بين مطالب بتسليمها وبين رافض لذلك، باعتبار التسليم المطلق ورفض التسليم المطلق سقفين أعلى وأدنى لبدء التفاوض الذي سيسير موضوعياً إلى حلول توافقية وسطية، والواقع أن كل من يفهم التوازنات الحقيقية الدولية والإقليمية والداخلية يستطيع التنبؤ مسبقاً بالخطوط العامة التي ستسير وفقها مسألة «توزيع الصلاحيات». والأطراف جميعها وإن كانت متفاوتة في درجة استيعابها للموازين الجديدة إلا أنها لا تعدم النظر السليم لواقع يثبت نفسه مراراً وتكراراً ودون توقف، الأمر الذي يدعونا إلى التفكير بالغايات البعيدة لأولئك الذين يركزون على مسألة الصلاحيات دون غيرها..
بالإضافة إلى مسألة الحكومة الانتقالية وتركيبتها وصلاحياتها، تتركز مهمة جنيف على حل قضيتين أساسيتين هما إيقاف التدخل الخارجي بكل أشكاله وإيقاف العنف، والتركيز على «الحكومة» دون هاتين القضيتين يحمل دلالات كبيرة ينبغي الوقوف عندها.. بالعودة إلى قراءة سابقة لأحد احتمالات الحدث السوري التي قدمتها «قاسيون» منذ أكثر من سنة ونصف - تحت عنوان احتمال ثورة مضادة تحت سقف الحوار- يمكن تلمس الاحتمال نفسه مكرراً تحت سقف جنيف هذه المرة..
إن الطرفين المتشددين في «النظام ومعارضته» لا يختلفان في برامجهما الاقتصادية الاجتماعية الليبرالية التي تكرس توزيع الثروة الجائر القائم والمستمر لمصلحة قلة قليلة من السوريين، الخلاف فقط هو: من هي القلة التي ستحوز النهب؟. ولما كانت الموازين الواقعية لا تسمح لأي منهما وحده بابتلاع كعكة النهب، ونتيجة لتوافقهم على استمرار النهب، ينشأ موضوعياً احتمال جدي لتحاصص بين ناهبي الطرفين وضد مصلحة الأغلبية المنهوبة من السوريين. ولضمان تحاصص كهذا لا بد من إعادة اقتسام السلطة مع إبقاء النظام على حاله.. ولا يمر مشروع من هذا النوع دون إخضاع أغلبية السوريين، والذين يقفون في الجوهر موقفاً معارضاً للطرفين، وإخضاع هؤلاء وتغييب أصواتهم يستند أساساً إلى الالتفاف على أية إمكانية جدية لعمل سياسي حقيقي في سورية، لأن أول عملية سياسية حقيقية ستلقي بمتشددي الطرفين خارج الحياة السياسية السورية. يضاف إلى ذلك، معرفة المتشددين العميقة بما تحمله صدور السوريين من عداء لهم وانعدام كلي للثقة بالشعارات الكاذبة غير القابلة للتحقيق. وبكلمة مجملة فإن متشددي الطرفين لا يريدون من جنيف إلا شيئاً واحداً (تقاسم السلطة ضمن النظام السياسي الاقتصادي الاجتماعي نفسه) والإبقاء على التدخل الخارجي وعلى العنف باعتبارهما لتحقيق غايتين أساسيتين، الأولى قمع صوت المنهوبين المعارضين للطرفين ما يحافظ على النظام القائم، والثانية هي استخدام التدخل الخارجي والعنف أداةً لتقاسم النهب والفساد فيما بينهم..
وفي المحصلة، فإن ما يخطط له الطرفان المتشددان يصب في الخانة الأمريكية وضد الروسية في نهاية المطاف، الأمر الذي يخفض حظوظهما في قولبة جنيف وفقاً لأهوائهم. وإن كان تحديد الخط العام لجنيف لا يتعلق برغبات هؤلاء وإنما بحقيقة التوازنات القائمة دولياً وإقليمياً وداخلياً، فإنّ معرفة طريقة تفكير المتشددين تسهل فهم العديد من تفاصيل السياسة الجارية ومواقف المتشددين التصعيدية التي لا أساس واقعياً لها سوى أنها رغباتهم التي سيضغطون نحو تحقيقها بكل قطرة دم سوري يستطيعون إراقتها..