رسالة اليسار المصري المقاوم للمؤتمر العاشر للإرادة الشعبية

رسالة اليسار المصري المقاوم للمؤتمر العاشر للإرادة الشعبية

باسم حركة اليسار المصري المقاوم، وباسمي نتقدم لكم بتحية رفاقية حارة، بمناسبة انعقاد مؤتمركم العاشر، في ظروف بالغة الدقة بالنسبة لسورية الشقيقة، ولنا، ولإقليمنا بأسره.

 

الرفاق الأعزاء

لقد تابعنا دوما مسيرة حزبكم، وتابعت عن كثب منذ البدايات الأولى، ظروف النشأة والتطور الإيجابي الذي جرى، والصعود المبهر سياسياً وتنظيمياً وفكرياً للحزب. ومنذ بداية الأزمة التي واجهتها سورية، تابعنا بدقة مواقفكم السياسية التي أثبتت الأيام سلامتها، حيث أنتج إصراركم ونضالكم مع حلفائكم ومجمل القوى الوطنية السورية، انتصاراً للخط الصحيح، وحيث تسير الأوضاع قدماً على طريق الانفراج والنصر.

إن الهجمة الهمجية الإرهابية على سورية، المدعومة امبريالياً وصهيونياً وعربياً، ومن جانب نظام الإخوان في تركيا، هي ذروة التنفيذ الفعلي للمشروع الصهيو– امبريالي، انتقاماً من سورية التي ظلت ولاتزال حائط الصد الأخير أمام محاولات تمرير هذا المشروع في الإقليم. ومن هنا فإن خروج سورية من هذه الأزمة منتصرة له أهمية استثنائية ليس بالنسبة لها وحدها، ولكن بالنسبة لمصر أيضاً، إذ يمثل البلدان ”كتلة استراتيجية واحدة” بحكم الجغرافيا والتاريخ.

لا يسمح المجال هنا باستعراض مفصل للتطورات المتسارعة في مصر، لذلك سوف أتطرق لبعض النقاط الهامة باختصار.

جرى الانفجار الثوري الهائل في 25 يناير 2011 في ظل ظروف موضوعية ناضجة. بينما كان العامل الذاتي الضروري لنجاح الثورة متخلفاً إلى حد كبير. كان ذلك بسبب أن الكتلة الأكبر من النخبة السياسية قد تحولت إلى مجرد ”نخبة تكيف” مجردة من أي إرادة للتغيير الثوري، ومن ضمنها بطبيعة الحال الجانب الأكبر من اليسار بالمعني الضيق والواسع، على السواء.

كانت المسألة الأخطر هي فقدان ”البوصلة الطبقية”. اذ تم النظر للإخوان باعتبارهم مجرد ”ظاهرة فكرية متخلفة"، في حين أنهم في الحقيقة يشكلون كتلة هائلة من الطبقة المهيمنة، أي الرأسمالية التابعة العميلة ذات الطابع الريعي. وأن ما كان يحدث بينهم وبين سلطة مبارك هو مجرد مناوشات بين قطاع من الرأسمالية يستأثر بالسلطة السياسية، بينما يريد الاخوان نصيبهم منها. الطبقة بقسميها المدني والديني كانت أوسع بكثير من جماعة المخلوع مبارك وحزبه.

بداية من هذه النقطة، كان التواطؤ أو الجهل أو العجز (أو كلهم معاً) يقف خلف السلوك السياسي لنخبة التكيف، وهو الذي أوصل البلاد إلى الكارثة الراهنة.

اندفعت كل قوى الثورة المضادة إلى ركوب الموجة الثورية، وواكب تدافعها تدفق شلالات من الأموال إلى مصر (من الغرب ومن قطر والسعودية) بهدف إجهاض الانفجار الثوري.

وتفاعل كل ما سبق مع الفعل العمدي لصناعة عدو وجهت له كل السهام، وهو الجيش المصري بكل تاريخه المجيد، ودوره المشهود في حماية الثورة، وتدعمت الهجمة الهمجية على الجيش بحملات إعلامية لا مثيل لشراستها.

غاب البرنامج السياسي الشامل لأي من فصائل «نخبة التكيف» بعد أن زالت الحجج التي ربما كانت تدعيها، فلم يعد هناك ما يلجمها أو يخرسها. وركز الجميع على الحريات السياسية فحسب لحد إقامة ما سمي بالتحالف الديمقراطي بينهم وبين الاخوان والسلفيين. ثم انفض التحالف لخلافات حول الحصص من مقاعد مجلس الشعب. بينما استمر في التحالف حمدين صباحي وجماعته، وخاضوا الانتخابات البرلمانية على قائمة الاخوان!! وتم تمييع شديد للمطالب الشعبية التي صاغها الثوار. فتم تصوير العدالة الاحتماعية باعتبارها ”حداً أدنى وحداً أعلى للأجور”(!) في ظل الليبرالية الاقتصادية القائمة. وتم تجاهل أهم قضية في الدستور، بل وتمثل عموده الفقري، وهي قضية ”نظام الملكية”، رغم أن تركز الملكية في مصر قد وصل إلى حدود مفزعة حيث يمتلك 5% من المصريين نسبة 80% من الثروة. في حين لا يتبقي لنسبة 95% من المصريين سوى 20% من ثروات البلاد. بل تفاقم الخداع برفع شعار فارغ عن مقاومة الفساد دون المساس بالطبقة المهيمنة، رغم أن الفساد ليس منتوجاً جانبياً لهذه الطبقة، وإنما هي التي تشكلت ونمت كمنتوج لفساد لم تشهده مصر من قبل. وغابت القضية الوطنية، في حين أن الموقف الذي تبنيناه كان يرتكز على: القضية الوطنية والقرار الوطني المستقل، القضايا الاجتماعية– الاقتصادية وجوهرها التنمية الشاملة المستقلة القائمة على التخطيط الشامل، القضايا السياسية وفي القلب منها الديمقراطية بمعناها الاجتماعي والسياسي.. وذلك باعتبار أن الجوانب الثلاثة عبارة عن سبيكة واحدة لمن يريدون تغييراً جذرياً لنظام ثارت ضده جماهير الشعب.

ويمثل السكوت المريب على حقيقة تفقأ العين، يمثل أمراً مشيناً. إذ لا يوضح أحد كيفية صعود هذا التيار في الواقع المصري. إذ لم يصل هذا التيار إلى هذا الوضع نتيجة الكفاءة التنظيمية بفرض وجوده، ولكن ما أوصله هي سياسات الردة والتبعية وضياع القرار الوطني المستقل وإنهاء التنمية الاقتصادية والخصخصة وكنس المكتسبات الاجتماعية للكادحين... الخ. تلك السياسات التي بدأها السادات، وعمقها مبارك، والتي كرست ”الليبرالية الاقتصادية”. فتعمق الفقر وشاع، وازدادت البطالة، وانهار التعليم المجاني وتفاقمت الأمية بدرجة مريعة، إذ زادت نسبتها عن 40%. وتطلب الأمر خطاباً دينياً وهابياً متخلفاً انتشر كالنار في الهشيم ليقنع الناس بما هم فيه من حرمان وهوان. وهكذا اكتملت البيئة الحاضنة لهذا التيار. أي أن سياسات كل من السادات ومبارك هي التي فتحت الباب واسعا أمام هذا التيار. ولذلك فإن بقاء هذه السياسات حتى بافتراض إزاحتهم من السلطة سوف يؤدي إلى إعادة إنتاجهم مرة أخرى بشكل أكثر شراسة ووحشية وتخلفاً.

وصلت شعبية الاخوان والسلفيين إلى الحضيض بسبب تمسكهم بنفس سياسات النظام القديم ولكن بشكل أكثر تخلفاً وهمجية وتوحشاً. وزادوا على ذلك بالتفريط بالسيادة الوطنية بمشاريع قناة السويس والصكوك. إنهم فقط طلاب ثروة وسلطة استبدادية وممارسات إرهابية وفاشستية. لا يؤمنون بالوطن والوطنية ويعلنون ذلك. إنهم جماعة «فوق وطنية، فوق قومية»، كيان مثل شركة متعددة الجنسيات. جماعة متصادمة مع كل مؤسسات الدولة، وتعمل على استلاب الدولة والوطن وتدميرهما. وإن مصيرهم المحتوم قادم دون شك.

انكشف تهافت نخبة التكيف التي لا تريد غير نصيب في كعكة الوطن.

نهض الشباب ونهضت الجماهير من جديد، وباتت تمتلك خبرات أوسع من ذي قبل، بما يمكنها من عدم السماح لأحد أن يختطف الثورة.

الانفجار يوم 30 يونيو سوف يكون بداية، في ظروف أفضل لجولة جديدة من الصراع لإسقاط سلطة الفاشست. حيث يتلوها استحقاق أشد جسامة هو: إلى أي وجهة تسير مصر.

تبذل القوى الأكثر وعيا رغم محدوديتها وبصدورها العارية كل الجهد من أجل نسج التواصل مع الجماهير الغاضبة والشباب الثائر.

ربما يطول الصراع. ربما تكون التضحيات هائلة. لكنه بالقطع سوف ينتهي بالنصر لإنقاذ الوطن والشعب من حكم الفاشيست الخونة.

إبراهيم البدراوي

حركة اليسار المصري المقاوم

 

القاهرة 6/6/2013

آخر تعديل على الأحد, 16 حزيران/يونيو 2013 05:51