افتتاحية قاسيون ٦٢٨: مـخاطـــر «العودة للمربع الأول»..!
يدور الحديث عن موعد محدد لمؤتمر «جنيف-2» قد يجري الإعلان عنه في 25 تشرين الجاري. إلا أن ما غدا مؤكداً هو موافقة جميع الأطراف على المشاركة في المؤتمر، الأمر الذي لا ينبغي أن يفهم منه،
بأية حال من الأحوال، أن تلك الموافقة تعني تلقائياً رغبة هذه الأطراف جميعها بإنجاحه. ولكن بعيداً عن مناقشة رغبات الأطراف المختلفة، لا بد من تجديد التأكيد بدايةً على أن عقد مؤتمر جنيف-2 هو ضرورة موضوعية بوصفه مدخلاً للحل السياسي للأزمة السورية، وبوصفه الباب الوحيد المتاح لوقف نزيف سورية والكارثة الإنسانية المستمرة التي يعيشها السوريون..
إنّ مؤتمر جنيف هو المخرج الوحيد، لأنّه المدخل الوحيد لوقف التدخل الخارجي الذي بإيقافه يمكن تخفيض مستوى العنف باتجاه إيقافه، بالتزامن مع إطلاق عملية سياسية سورية- سورية تستند إلى أرضية وقف التدخل الخارجي، وإلا فإن كل حديث عن حل سوري- سوري دون وقف التدخل الخارجي هو عبث وتضليل.
ومن جانب آخر، فإن جنيف هو الحل الوحيد لأنه يعبر بجوهره عن حقيقة توازن القوى الدولي والإقليمي والداخلي حيث بالمنطق الوطني وانسجاماً مع «قانون حل الأزمة» بالمعنى الوارد أعلاه ينبغي أن تتحول الصيغة إلى «لا غالب ولا مغلوب» فيما بين السوريين أنفسهم من أجل مواجهة أدوات التدخل الخارجي من «النصرة» و«داعش» ومن في حكمهم، والانتصار عليها، في حين أن الحلول الافتراضية الأخرى من «حسم» و«إسقاط» ليست إلا وهماً وقبضاً للريح معرفياً وتطبيقياً كونه لا يعني سوى المزيد من الإحراق الداخلي والاستنزاف والتخريب والتدمير على المستوى العملي.
وإذا كان انعقاد جنيف2 قد غدا أمراً محسوماً، فإنّ ما ينبغي العمل عليه هو إنجاح جنيف2.. ذلك أن لدى القوى المتشددة- رغم ضعف حيلتها المتزايد باطراد أمام التوافق الدولي وتعاظم الوزن الروسي الساعي لإنجاح الحل السياسي- كلّ الرغبة بإفشال جنيف والعودة إلى المربع الأول على أمل استمرار النهب والفساد بانتظار نتائج الحلول الافتراضية الأخرى، وكل ذلك خوفاً ورعباً من مواجهة استحقاقات الحل والتغيير الذي تطالب به الحياة المتبقية في سورية. وإنّ أخطر ما في المسألة، لا يقف عند العودة إلى المربع الأول، أي مربع «الحسم» و«الإسقاط»، ولكنه يتعدى ذلك إلى أن العودة المبنية على إفشال جنيف لن تكون في عمقها عودةً إلى ذلك المربع فحسب، بل عودة كاملة إلى كل إحداثياته مضافاً إليها ما راكمته سنوات الأزمة. أي أنها ستكون دخولاً في مربع جديد يحول درجة التدويل المرتفعة حالياً، إلى تدويلٍ كامل للأزمة السورية، أي أن شبح التدخل الخارجي العسكري المباشر سيعود بأشكال أكثر فجاجة وخطورة، إلى جانب إعطاء مخطط إحراق سورية المدة الكافية للوصول بالبلد إلى نقطة اللاعودة، وهي نقطة لا تبعد عنّا أكثر من أشهر معدودة.
إن قوى الفساد في طرفي الصراع، لن تتوقف لا الآن ولا خلال جنيف2 ولا بعده عن محاولة الحفاظ على حالة العنف، الأمر الذي يتطلب ضغطاً مستمراً عليها من الوطنيين أينما كانوا لكسر تعنّتها، عبر تحالف وطني واسع يوحد المنهوبين في وجه ناهبيهم الداخليين والخارجيين، إلا إذا كان السوريون سيقبلون، بما هو مستبعد عن ثقافتهم وتاريخهم، بتمكين المزاودين من رهن مستقبل البلاد ووحدة أرضها وشعبها.