رسالة لافروف إلى المشاركين في اللقاء التشاوري

رسالة لافروف إلى المشاركين في اللقاء التشاوري

بعث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف برسالة إلى المشاركين في اللقاء التشاوري للحوار السوري- السوري الذي تستضيفه العاصمة الروسية، حيث تولى سفير المهمات الخاصة لدى جمهورية روسيا الاتحادية، وممثل وزير الخارجية الروسي، عظمة الله كولمحمدوف إلقاءها أمام المشاركين في الملتقى نيابة عن لافروف الذي اعتذر عن المجيء بسبب جدول أعماله الحافل بالتزامات رسمية. وجاء في هذه الكلمة:

أرحب بجميع المجتمعين في اللقاء التشاوري السوري- السوري الثاني في موسكو.

وبوصولكم إلى موسكو تلبية لدعوة وزارة الخارجية الروسية في نهاية يناير الماضي وبجلوسكم وراء الطاولة الواحدة في هذه الصالة أقدمتم على خطوة هامة جداً تجاه بعضكم البعض.

فإن لقائكم الثاني في موسكو في أبريل/نيسان يعتبر دليلاً واضحاً على تقدم "عملية موسكو" التي لا تقتصر على لقاءات موسكو لأن الاتصالات السورية- السورية، كما نعلم، تجري في كل من القاهرة وباريس وستوكهولم ودمشق. هذا هو إنجازنا المشترك. وتتمسك روسيا بمهمة إطلاق الحوار السوري- السوري على أساس مبادئ إعلان جنيف من الـ30 يونيو/ حزيران عام 2012 وذلك دون شروط مسبقة والإملاء من الخارج وستبذل كل ما في وسعها لتحقيق هذه المهمة.

لقد أتت السنوات الأربعة من النزاع المسلح بمعاناة ومحن لا يحصى لها للشعب السوري الصديق وتسببت في الكارثة الإنسانية على التراب السوري. وقد برزت ملامح الخطر الحقيقي لتحطم مؤسسات الدولة السورية وتفكك البلاد واستيلاء الإرهابيين الدوليين والمتطرفين على أراضيها.

كل هذه التحديات تتطلب من المواطنين السوريين بغض النظر عن مواقفهم السياسية، توحيد الصفوف على أساس البحث عن الحلول السياسية لكل المسائل الملحة على الأجندة الوطنية.

فإن العامل الأساسي -الوضع في الميدان- يثير قلقنا المتزايدللأسف. وفي فترة ما بعد لقاء موسكو الأول لم يتراجع الخطر الإرهابي في سوريا، بل تصاعد واتسع نطاقه حيث كثف مقاتلو "داعش" عملياتهم في الضفة الغربية لنهر الفرات. وفرضوا

سيطرتهم على بعض الأحياء في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين. كما كثفت جبهة النصرة نشاطها في شمال غربي سورية وجنوبها.

وفي الواقع، فإن جميع القوى التي تعمل على إهانة الشعب السوري والقضاء على وطنكم قد توحدت أو تتوحد حالياً. وظهر أنّ التدفق المتواصل للمساعدات الخارجية "غير الفتاكة" على حد تعبير البعض، يصب بشكل مقصود أو غير مقصود في مصلحة دعم الإرهابيين والمتطرفين الذين يستخدمونها لارتكاب الجرائم الدامية ضد سورية.

وفي سياق هذه التطورات فإن مهمة تضافر جهود جميع السوريين المحبين للوطن في سبيل محاربة الإرهاب والتطرف تكتسب أولوية. ولا بد عليكم أن تتركوا كل الخلافات جانباً لإنقاذ سورية وشعبها وإلا سيصبح بناء سورية الحديثة الموحدة وذات السيادة أمراً مستحيلاً.

لا يقوم أحد بواجبكم دونكم وتشهدون أن ما يسمى بـ"العملية ضد الإرهاب" التي تقودها الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون دون التفويض من مجلس الأمن الدولي ودون موافقة الحكومة السورية، لم يحرز الأهداف المنشودة فحسب، بل ويأتي لحد الآن بنتائج معاكسة تماماً. كما لا نتوقع النتائج الإيجابية لما ينفذه الأمريكيون من برنامج تدريب وتجهيز المقاتلين "المعتدلين"، الأمر الذي ما هو إلا صب للزيت على نار الاقتتال الأخوي.

وتمخضت المناقشات في إطار لقاء موسكو الأول عن "مبادئ موسكو" التي قام منسق اللقاء الأستاذ فيتالي نعومكين بصياغتها. وربما لا تحظى بعض الصياغات في هذه الوثيقة بإجماعكم ولكنكم تدعمون ما في جوهرها. من هذا المنطلق يجب الدفاع عن سيادة سورية ووحدتها كما يجب محاربة الإرهاب والتطرف وحماية حقوق جميع مكونات الشعب السوري من التطاولات الإجرامية الهادفة إلى نشر الكراهية والفوضى.

ولا بد من بلورة وتطبيق التغييرات الداخلية الهادفة إلى تحسين الأوضاع في البلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وإرساء حكم القانون ومحاربة الفساد وغيره من الظواهر السلبية التي ترفضها غالبية السورية رفضاً قاطعاً.  

وستواصل روسيا جهودها لصالح استتباب السلم والتطبيع في سورية. وكنا ولا نزال أصدقاءكم وأصدقاء الشعب السوري بأكمله، ولكن لا نستطيع أن نأخذ على عاتقنا المسؤولية عن تسيير الأحداث في دولة ذات سيادة وإن كانت دولة صديقة لنا. وعلى السوريين أنفسهم تولي هذه المسؤولية وندعوهم بإلحاح إلى أداء واجبهم هذا.

ونقدر عالياً أن جميعكم أبدوا الاستعداد لتلبية ندائنا. وللأسف لا نستطيع أن نتوجه بنفس التقدير إلى أولئك الذين تفادوا للمرة الثانية قبول دعوتنا. ومهما كانت أشكال رفضهم مهذبة لا يؤثر ذلك على جوهر الأمر حيث وفرنا كل الظروف اللازمة لتعبير المشاركين في المناقشات عن أرائهم بأقصى درجة من الحرية ولا نفهم ما الذي منع هؤلاء من الإعلان عن مواقفهم بكل صوتهم.

ومن البديهي لنا الحاجة للحديث الجدي بين جميع السوريين في موضوع مواصلة الإصلاحات السياسية والبحث في سبل ضمان المشاركة الكاملة لجميع مكونات الشعب السوري في الحياة السياسية للبلاد والرجوع المستمر إلى إرادة المواطنين السوريين وذلك عن طريق الانتخابات والاستفتاءات. وتنتهي في عام 2016 فترة صلاحية البرلمان السوري في تشكيلته الحالية. ونرى في ذلك فرصة أمام القوى السياسية السورية للتأهب لكي تشارك في هذه الانتخابات وتستفيد منها. ومن الصعب المبالغة في دور العملية السياسية حيث لا بد أن يرى الناس ضوءاً في نهاية النفق وإن لم يكن ذلك فسيصبحون غنيمة باردة للمتطرفين.

منذ البداية ندعم توسيع ممارسة المصالحات المحلية في سورية وتطويرها، كما ندعم إظهار حسن النوايا من طرف الحكومة السورية والمواقف البناءة لبعض الفصائل المسلحة. ولا نزال نأمل بأن الجهود في هذا المسار التي يبذلها المبعوث الأممي الخاص ستيفان دي مستورا بما في ذلك مشروع التجميد الإنساني في حلب المدعوم من جانب الحكومة السورية، ستتوج بنتائج إيجابية. وندعو المعارضة السورية السياسية إلى استخدام نفوذها من أجل دعم القرارات المناسبة.

نحن على يقين أن الأهمية الخاصة في دعم العملية السياسية تعود إلى تدابير صون الثقة بين الحكومة والمعارضة في سورية. ونشير بارتياح إلى خطوة مهمة أقدمت عليها الحكومة السورية قبيل لقاء موسكو الحالي- إطلاق سراح إطلاق سراح 683 معتقل في السجون السورية في إطار العفو العام في الـ24-25 مارس/ آذار عام 2015. ويُدّعى بأنه في الحقيقة تم إطلاق سراح عدد أقل من المعتقلين مما تم الإعلان عنه، ولكننا في كل حال نعتبر هذه الخطوة إشارة واضحة لاستعداد الحكومة السورية لتلبية طلبات هيئات المجتمع المدني والأوساط المعارضة. والسؤال: كيف سترد عليه المعارضة؟

إن ديناميكية التطورات في سورية وحولها تتطلب اتخاذ خطوات فورية لحماية البلاد من عدوان الإرهابيين وأعوانهم واستعادة وحدتها. وتعود مهمة تحديد هذه الخطوات إليكم فقط. ولكن المماطلة في اتخاذها أمر خطير لأن يدفع الشعب السوري ثمناً باهظاً لكل يوم مفقود هدراً.

وبودي أن أشدد مرة أخرى على أن الجانب الروسي لا يسعى إطلاقاً لاحتكار دعم التسوية في سورية. ونرحب بكل الجهود البناءة من قبل شركائنا الدوليين والإقليميين لصالح سورية والسوريين على أساس إعلان جنيف- وبطبيعة الحال بعيداً عن أية أجندة جيوسياسية مبطنة والكيل بمكيالين.

ونحن على يقين بأن المنسقين الروس وأبرزهم الأستاذ فيتالي نعومكين سيبذلون كل ما في وسعهم لمساعدة المشاركين في اللقاء السوري- السوري. وأتمنى لكم كل نجاح في عملكم.