د.جميل لـ"سكاي نيوز": يجب أن تتوقف "فزلكات" السياسيين أمام مأساة الشعب السوري
أجرت قناة "سكاي نيوز"، مساء الأحد 3/11/2013، مقابلة مع د.قدري جميل، أمين حزب الإرادة الشعبية، عضو رئاسة الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير، لاستقراء رأي "معارضة الداخل" بالتطورات الأخيرة حول الأزمة السورية ولاسيما الاجتماع الوزاري العربي في القاهرة تحضيراً لمؤتمر جنيف2 لحلها سياسياً. وهذا نص اللقاء.
- أهلاً بك سيد قدري جميل، نائب رئيس مجلس الوزراء السوري السابق، نبدأ بالتطورات الأخيرة القادمة من القاهرة، هل ما زال انعقاد جنيف 2 متاحاً في ظل رفض المعارضة لحضوره في غياب إطار زمني واضح لرحيل الأسد كما قالت؟
أولاً أنا هنا معكم بصفتي عضو قيادة الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير، هذا الفصيل المعارض منذ بداية الأحداث والذي كان موقفه ثابتاً ومستمراً برفض التدخل الخارجي ورفض العنف كوسيلة لحل المشكلات السياسية.
إن الحراك المرتبط بجنيف يتعزز عملياً ويأخذ زخماً أكبر فأكبر. ويجب قياس الأمور اليوم من زاوية أن تأخير انعقاد جنيف ليوم واحد يعني مزيداً من الضحايا واستمراراً لمأساة الشعب السوري، لذلك يجب النظر إلى الموضوع من الزاوية الإنسانية. الشعب السوري يُقتل بالرصاص وبالجوع وبالبرد وبالمرض، لذا يجب أن تتوقف «فزلكات» السياسيين، إن كانوا من المعارضة أو من النظام، وأن يتوقفوا أمام هذه المأساة ويعملوا على إيقافها. وبالتالي فلا مهمة تعلو على مهمة عقد مؤتمر جنيف، أو بالأحرى عقد جلسته الختامية لأنه قد بدأ عملياً عبرالنقاش والحراك الذي ترونه أمامكم ومن حولكم.
- هل ترى بأن الظروف مؤاتية لعقد المؤتمر، خصوصاً مع ما يقال عن أن المؤتمر قد يكون واجهة للتقارب الأمريكي- الإيراني؟
الظروف لها نوعان:
ظروف موضوعية كالتي ذكرتها قبل قليل، والتي يجب الانطلاق منها أولاً وأخيراً، وظروف ذاتية، أي نضوج القوى الدولية والإقليمية والمحلية، والتي هي اليوم أفضل من أي وقت مضى، لذا أعتقد بأن الظرف قد أصبح أكثر من ناضج وكان يجب أن يُعقد مؤتمر جنيف البارحة وليس غداً.
- قلت بأن الظرف بات أفضل من أي وقت مضى، بالنسبة لمن بالتحديد؟
بالنسبة لكل الأطراف، حيث أصبحت الأطراف الدولية الأساسية على الساحة تفهم بأن لا حلاً عسكرياً للمشكلة السورية، وهذا الموقف يؤثّر على موقف اللاعبين الإقليميين الذين يجد بعضهم نفسه في مأزق، وأمام طريق مسدود كما نرى اليوم، وبالتالي يرى ويفهم بأنه لا بد من السير نحو تسويات في المنطقة. لذلك فجميع الظروف اليوم أصبحت ناضجة ذاتياً للذهاب نحو مؤتمر جنيف مقارنةً بالفترة الماضية.
- ذكرت في مقابلة سابقة معك، بأن بشار الأسد باقٍ في منصبه حتى نهاية ولايته، والأسد من جهة أخرى لا يرى مانعاً من ترشيح نفسه للرئاسة بعد نهاية ولايته، لماذا تريدون إذن أن تشارك المعارضة في مؤتمر لا يضمن بشكل قاطع عدم وجود الأسد في المرحلة الانتقالية؟
الذي يجب أن يضمن وجود أو عدم وجود أحدٍ ما، هو صندوق الاقتراع النزيه والشفاف وغير المزوّر، وأعتقد أن هذه هي الضمانة الأولى والأخيرة. أما فيما يخص بقاء الأسد حتى نهاية ولايته، فقد قلت بأن هذه القضية أصبحت في حكم الماضي، وحين قلنا في الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير بأنه لا يجب وضع أي شرط تعجيزي من أي طرفٍ كان، فهذا لم يكن دفاعاً منّاعن الأسد بل لخلق الظروف الموضوعية لعقد الحوار وعقد جنيف. حيث كان وضع شرط التنحي هو وضع شرط تعجيزي في رأينا لأنه ببساطة لا يعكس ميزان القوى على الأرض. وفيما يخص ترشيحه شخصياً، فقد سمعت تصريحه حيث قال إضافةً لما تفضلتي به بأنه من المبكر الحديث عن هذا الموضوع لأن الرغبة الشعبية هي التي ستحدد ذلك.
- ولكن حتى جون كيري في مؤتمره الصحفي اليوم في القاهرة أعلن عن شكوكه بأن يكون الأسد جزءاً من المرحلة المقبلة، فكيف ترون هذا المسلك الأمريكي في التعاطي مع الحل في سورية؟
لقد سمعت تصريحه منذ قليل، ومن خلال نشرتكم، وأظن أن التصريح مُلتبس ويحتاج إلى تدقيق، لقد قال كيري بأن الأسد لا يجب أن يكون جزءاً من الحكومة الانتقالية، لكن الأسد بالأصل ليس جزءاً من الحكومة السورية الحالية بل هو رئيس جمهورية ولا أحد يناقش وجوده في الحكومة الانتقالية كشخص، حيث أن النقاش يدور حول مقام رئاسة الجمهورية وهل يبقى في حالة فراغ أم يبقى كما هو الحال عليه حتى الانتخابات الرئاسية القادمة. وإذا أردنا أن يكون النقاش واقعياً وحقيقياً فلا يجب أن نركّز على هذه النقطة، لأن التركيز عليها يُجهض نقطةً أكثر أهميةً منها وهي قضية الصلاحيات الحقيقية للحكومة السورية والتي يجب أن تكون حكومة وحدة وطنية شاملة، أما الذهاب باتجاه قضايا غير حقيقية فهو يُجهض النقاش حول القضايا الحقيقية.
- كيف تعلّق على بيان أو قرار إقالتك؟
نحن معارضة ودخلنا الحكومة على أساس معارضة، وهذه حالة استثنائية ولا يمكن أن تستمر طويلاً وبالفعل لم تستمر طويلاً حيث أنها امتدت لسنة وبضعة أشهر، وهذا الموضوع يعتمد على مدى احتمال كل من الطرفين للآخر في حكومة ائتلافية كالتي كنا نريدها. لقد ذهبنا إلى هذه الحكومة كمعارضة لتشجيع أطراف المعارضة الأخرى على الذهاب نحو حكومة الوحدة الوطنية الشاملة كاملة الأوصاف التي ستأتي بعد مؤتمر جنيف.
- ما رأيك بالرأي الذي يقول بأن النظام شَعرَ بأنك تمثّل بديلاً مقبولاً عنه للمجتمع الدولي؟
لا أعتقد هذا، وهذه محاولة للاصطياد في الماء العكر من أجل توتير العلاقات بين الأطراف المختلفة المكوّنة للمجتمع السياسي السوري. وإذا أردتُ أن آخذ مرسوم الإقالة بحرفيته، فأعتقد بأن المشكلة تتعلق بالجوانب الشكلية المتعلقة بدوامي والتزامي بالعلاقات الخارجية في الإطار العام للحكومة.
- ولكن هناك من ذهب بالتفسير إلى أن خطوة الإقالة منسّقة وتندرج في سياق تعزيز موقع معارضي الداخل كما قيل، ففي النهاية أنت لا تستطيع- بالطبع- تمثيل المعارضة وأنت على رأس منصب في الحكومة السورية. فما ردّك على هذا الكلام؟
لا أوافقك الرأي، فنحن لا نريد تمثيل كل المعارضة ولا ندّعي ذلك، لكننا حتماً نمثّل جزءاً من المعارضة، وهو الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير، وهي جزء هام ولا يمكن إنكاره، وكما ترين اليوم، فإذا كنتم أنتم وغيركم تتحدثون معي، فمردّ ذلك إلى أن هذه الجبهة قد أثبتت نفسها اليوم على الساحة السياسية في البلاد وفي العالم كله، وإذا كان هناك طلب على قدري جميل اليوم فذلك ليس لشخصه بل بسبب الخط السياسي الذي تبنّته الجبهة الشعبية منذ أوائل الأزمة، وبالتالي فنحن جزء مكوّن أساسي من المعارضة السورية، وعلى هذا الأساس فقد أصرينا ومنذ البداية على أن نكون في جنيف كوفد معارضة، حتى ولو كان بعض ممثلينا موجوداً في الحكومة لأننا بكل بساطة معارضة ولأن وجودنا في الحكومة جرى على أساس توافقي وعلى أساس برنامج حد أدنى لا يمثل أكثر من 10% من برنامجنا في الجبهة الشعبية، لذا فإن ذهابنا مع وفد حكومي إلى جنيف هو أمر يقيّدنا ويمنعنا من الحركة ويخفّض هامشنا كثيراً.
- ولكن لو سمحت لي هنا، الائتلاف السوري المعارض يرفض وضعكَ كمعارض للنظام لأنك كنت جزءاً منه كما يقول، فهل لديك اتصالات مع معارضة الخارج سيد قدري؟
عفواً، ولكن ألا ترين بأن طريقة طرح السؤال خاطئة؟ فمن قال بأن الائتلاف هو الحاكم بأمره، وبأنه من يوزع «صكوك الغفران» لكي يحدد من هو المعارض ومن ليس معارضاً؟ بهذه الطريقة نعود إلى نغمة الحزب القائد وإلى العقلية الأحادية في تقرير مصير الناس والأحزاب السياسية، ونحن نريد أن نخرج من هذا الموضوع، والغرب الذي يقول بالديمقراطية والتعددية هو من يحاول أن يفرض علينا اليوم حزباً واحداً وقائداً جديداً ممثلاً بالائتلاف. يحق للائتلاف أن يكون لديه رأيه ولكن ليس من حقه أن يفرض هذا الرأي على الجميع.
- أنت تعرف سيد قدري جميل بأن الائتلاف هو الممثل الشرعي للمعارضة السورية كما يقول، وبأن هناك ضغوطات كبيرة عليه للمشاركة في المؤتمر، فهل تعتقد بأنه من الممكن عقد جنيف 2 دون مشاركة الائتلاف السوري؟
عفواً، لكن من الذي قرّر بأن الائتلاف هو الممثل الشرعي للمعارضة السورية؟
- هو من يقول ذلك عن نفسه.
بإمكان كل طرف أن يقول الشيء ذاته عن نفسه، فهل هذا الأمر كافٍ ليكتسب دوراً تمثيلياً؟
- ولكن الدول اعترفت به !
لكنّ أحداً لم يسأل الشعب السوري إلى الآن عن رأيه بهذا الأمر.
- ولكن هناك دولاً اعترفت به كممثل شرعي للمعارضة السورية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وهي تبذل اليوم قصارى جهدها لإقناعه بالذهاب إلى مؤتمر جنيف لأنها تعلم بأن انعقاد هذا المؤتمر دون الائتلاف سيجعله فارغاً من محتواه.
الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية أعمالها، وأعتقد بأنها ستندم قريباً على اعترافها به ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب السوري لأن هذا السلوك عملياً هو سلوك غير ديمقراطي، فالشعب السوري كما ذكرتُ آنفاً لم يُسأل عن رأيه في هذه القضية نهائياً، ثم كيف يمكن للائتلاف أن يكون ممثلاً شرعياً للشعب السوري الذي يضم المعارضة والموالاة في الوقت ذاته؟ ولو توقّف الأمر على كونه ممثلاً شرعياً للمعارضة فقط لكان يمكن "هضمه" قليلاً، أما أن يكون ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب السوري فهذا "كثير"..! ومن المعيب أن يصف أحدٌ ما نفسه بهذه الطريقة. الائتلاف جزء لا بأس به من المعارضة السورية، ولكن يجب ألا "يكبر حجره كثيراً" لكي يبقى ضمن إطار الواقع الحقيقي وألا ينفصل عنه، ويجب تمثيل كل أطراف المعارضة السورية في جنيف وهذا الأمر يتقدّم وهو الذي سيُطبّق على أرض الواقع.
- شكراً لك قدري جميل نائب رئيس الوزراء السوري السابق كنت معنا من موسكو.