افتتاحية قاسيون 624: من هم أعداء "جنيف-2" وماذا يريدون؟
تحمل الأسابيع القليلة القادمة زخماً كبيراً من الاجتماعات والمؤتمرات والمشاورات موضوعها الأساسي هو مؤتمر «جنيف-2» المفترض عقده حسب المعطيات الدولية في أواخر تشرين الثاني المقبل، وهذا الزخم هو استمرار للزخم الحالي وتصاعد له.
يوجد على «الأجندة الدولية» حتى الآن اجتماع ثلاثي سيضم في أوائل تشرين الثاني الأمم المتحدة وروسيا وأمريكا، واجتماع ما يسمى بـ«أصدقاء سورية» في لندن، واجتماع ائتلاف الدوحة في اسطنبول وغيرها من الاجتماعات..
وإذا كان انعقاد «جنيف-2»، بغض النظر عن مكانه الجغرافي أو موعده الدقيق، بات مسألة منتهية ومحسومة ولا بديل جدياً عنه أمام السوريين حتى الساعة، فإن إصرار أطراف من هنا أو هناك على ممانعته، والتقليل من أهميته، سعياً وراء استمرار تأجيله إلى ما لا نهاية يستحق الوقوف عنده لمحاولة فهمه. ذلك أن ممانعة أوساط بعينها لجنيف، وإن كانت غير مجدية، إلّا أنها تحمل في طياتها تفسيراً لماهية المصالح التي تدافع عنها هذه الأوساط أو تسعى وراءها، أي تلك المصالح التي ستتضرر بشكل جدّي من جراء جنيف، وسيستمر دفاع أصحابها عنها حتى بعد انعقاده، الأمر الذي يستدعي محاولة تكوين فهم دقيق لسبل إدارة الصراع القادم بعد جنيف وتكييفه ليصب في مصلحة الشعب السوري..
يمكن تصنيف المتضررين من «جنيف» بين خارجيين وداخليين:
المتضررون الخارجيون، هم الفاشيون الجدد أصحاب رأس المال المالي الاحتكاري الإجرامي الذين تضيق المخارج بهم وتتعمق أزمتهم يومياً، ويصرّون على توسيع رقعة الحرب أفقياً وعمودياً كمخرج افتراضي وحيد من أزمتهم، ويسعون جهدهم لتفتيت سورية واستمرار إحراقها.
وأما الداخليون فهم الفاسدون الكبار الموجودون في النظام والمعارضة والمجتمع على حدٍ سواء، والمتمسكون ببنية جهاز الدولة الحالية التي تسمح لهم بالنهب، والذين لا ضمانات لديهم حول استمرار نهبهم ضمن بنية جديدة يفترض بـ«جنيف» أن يكون نقطة الانطلاق نحو الصراع السياسي على تشكيلها. إضافةً إلى كبار «الحرامية» الجدد من تجار الحرب الذين يقتاتون على موت السوريين وعذاباتهم، والمشتغلين بالأعمال القذرة كافة، من «تعزيل وتعفيش» بيوت المهجرين، إلى الإتجار بالدولار والسلاح، إلى المضاربة بالغذاء، إلى سمسرة الاعتقال والخطف وغيرها من الجرائم..
إنّ لوم هذه الأصناف على موقفها من «جنيف» ليس منطقياً، فهؤلاء يجب الصراع معهم قبل، وفي أثناء، وبعد انعقاد «جنيف» الذي سيشكل انطلاقاً لمعركة السوريين السياسية المفتوحة معهم، كون مهمة جنيف الأساسية هي إيقاف التدخل الخارجي من تسليح وتمويل ومسلحين، تمهيداً لتراجع العنف وإطلاق العملية السياسية. وبكلام آخر فإن تحويل المعركة من عسكرية إلى سياسية سيزيد من وزن الداخل السوري في القرار على حساب الخارج، وسيدحض سطحية الطروحات المتمسكة بمعزوفة «المؤامرة الخارجية المنكرة لأية عوامل داخلية والمقللة من أهمية تلك العوامل في أحسن الأحوال». هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه سيكشف البرامج المخبأة للطرف المتشدد المقابل الذي علّق برامجه جميعها على أطروحة «إسقاط النظام».
إنّ الذهاب إلى جنيف ليس حلاً للأزمة السورية، لكنه بداية الحل. والمعركة السياسية والوطنية القادمة لن تكون أسهل من التي مرّت، ولكنها أصعب وأكثر تعقيداً وتحتاج إلى استنفار وعمل الوطنيين السوريين على اختلاف مواقعهم لتثبيت وحدة سورية أرضاً وشعباً ولضرب الفاسدين الكبار وحلفائهم الموضوعيين من «داعشيين» وأشباههم..