المعلم: الشعب السوري هو المخول الوحيد في اختيار مستقبله وشكل دولته
أكد وليد المعلم وزير الخارجية والمغتربين رئيس وفد الجمهورية العربية السورية في كلمته أمام الدورة الـ 68 للجمعية العامة للأمم المتحدة، الاثنين 30 سبتمبر/أيلول، أن وقف السياسات العدوانية تجاه سورية هو أول الطريق الصحيح لحل الأزمة في سورية مشيراً إلى أن أي كلام عن حل سياسي في ظل استمرار دعم الإرهاب تسليحاً وتمويلاً وتدريباً هو مجرد وهم وتضليل.
وقال المعلم "إنه في مثل هذا اليوم من العام الماضي وقفت على نفس هذا المنبر.. وكان عالمنا يواجه أحداثاً كثيرة عصفت به وبدوله.. لقد كان يحدونا الأمل أن يتغير المشهد للأفضل في هذا العام.. إلا أننا وللأسف.. مازلنا في نفس المكان بل وأسوأ أحياناً في بعض بقاع الأرض.. فمازالت دول عديدة تواجه أزمات سياسية واقتصادية ومالية تتجاوز قدرتها على مواجهتها منفردة.. وفيما انتظرت شعوب العالم رؤية جهود دولية فاعلة للتغلب على تلك الأزمات فإن ما أراه اليوم يشير إلى تفاقم المشاكل وازديادها حيث تصاعدت نزعة الهيمنة والتسلط على مقدرات الشعوب بما يتناقض بشكل صارخ مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي".
وأضاف المعلم أنه "وبدلاً من تسوية النزاعات الإقليمية والدولية بالطرق السلمية استمرت دول معروفة بانتهاج سياسات عدوانية تجاه دول بعينها حيث ازداد النفاق السياسي للتدخل في شؤون الدول الداخلية تحت ذريعة التدخل الإنساني أو مسؤولية الحماية.. وعندما لم تنفع هذه السياسة مع بعض الدول.. بما فيها بلادي سورية ..كشفت هذه الدول عن وجهها الحقيقي ولوحت بالعدوان العسكري السافر بعيداً عن ولاية مجلس الأمن وحتى عن أي توافق دولي.. بعد أن فرضت إجراءات اقتصادية قسرية أحادية الجانب تفتقد لأي أساس أخلاقي أو قانوني.. ناهيك عن سياسات مشبوهة ترمي إلى نشر الفتنة والاضطرابات في بنية مجتمعات وطنية متداخلة متآخية عاشت مئات السنين في وئام ووحدة وتفاهم".
ولفت المعلم إلى أن الأسوأ من ذلك هو أن دولاً شنت حروباً مدمرة تحت ذريعة مكافحة الإرهاب.. في الوقت الذي تقوم هي نفسها بدعم الإرهاب في سورية ضاربة عرض الحائط بكل قرارات الأمم المتحدة وكل القيم الإنسانية والأخلاقية ..وقال "وهنا مرة أخرى أسأل ما سألته العام الماضي.. هل كان التوافق الدولي حول مكافحة الإرهاب إلتزاماً جدياً أخذته دول هذه المنظمة على عاتقها أم كان حبراً على ورق.. تكتبه وتعمل بعض الدول بعكسه...".
وأكد المعلم أن ما يجري في سورية بات واضحاً للقاصي والداني إلا أن بعض الدول لا تريد أن ترى أو تسمع أن تنظيم القاعدة الدولي أخطر التنظيمات الإرهابية في العالم بأذرعه المتعددة كجبهة النصرة ودولة العراق والشام الإسلامية ولواء الإسلام وغيرها هو من يقاتل على أرض سورية.. مشيرا إلى أن مشاهد القتل والذبح وأكل القلوب عمت الشاشات لكن عمت عنها الضمائر وقال.. "في بلادي من تشوى رؤوسهم من المدنيين الأبرياء على النار فقط لأنهم يخالفون تنظيم القاعدة بفكره المتطرف وآرائه المنحرفة.. في بلادي من قطع الناس وهم أحياء وأرسل أشلاءهم لذويهم.. فقط لأنهم يدافعون عن سورية واحدة موحدة وعلمانية".
وتابع المعلم.. "في بلادي من ينتهك يومياً حقوق الإنسان في عيشه وحياته وعقائده الدينية وانتماءاته السياسية.. فكل من لا ينتمي إلى هذا الفكر الظلامي والتكفيري هو مقتول أو مذبوح أو أخذت نساؤه سبايا باسم مفاهيم منحرفة للدين لا تمت للإسلام بصلة".
مواجهة الإرهاب في بلادي تقتضي من الأسرة الدولية اتخاذ إجراءات سريعة لإرغام الدول التي تمول وتسلح وتدرب وتوفر ملاذا ومعبرا آمنا للإرهابيين القادمين من مختلف دول العالم إلى التوقف عن ارتكاب هذه الجرائم
وأوضح المعلم أنه لا حرب أهلية في سورية بل حرب ضد الإرهاب الذي لا يعرف قيماً ولا عدلاً ولا مساواة ولا حقوقاً ولا تشريعات وأن مواجهة الارهاب في بلادي تقتضي من الأسرة الدولية اتخاذ الإجراءات اللازمة والسريعة لإرغام تلك الدول التي باتت معروفة والتي تمول وتسلح وتدرب وتوفر ملاذا ومعبرا آمنا للإرهابيين القادمين من مختلف دول العالم.. هذه الدول يجب ان تتوقف عن ارتكاب هذه الجرائم فورا.. وذلك استنادا إلى ما نصت عليه القرارات الدولية الخاصة بمكافحة الإرهاب وأهمها قرار مجلس الأمن رقم 1373 عام 2001.
وقال المعلم "إن هذه المدينة نيويورك وأهلها ذاقوا بشاعة الإرهاب.. واحترقوا بنار تطرفه ودمويته.. كما نعانيه نحن الآن في سورية.. فكيف يمكن لدول أصابها ما يصيبنا الآن أن تدعي أنها تحارب الإرهاب في كل بقاع الأرض وتدعمه في بلادي... إن مفهوم المسلحين المعتدلين والمسلحين المتطرفين أصبح مزحة سمجة لا معنى لها على الإطلاق.. فالإرهاب إرهاب لا يمكن تصنيفه بإرهاب معتدل وإرهاب متطرف... وأنا أسألكم ماذا تسمون من يأسر الأطفال ويبيع أعضاءهم خارج البلاد... بماذا تصفون من يجند الأطفال ويمنعهم من الذهاب إلى المدارس ويدربهم بدلاً من ذلك على القنص والقتل... وما توصيفكم للذي يزرع في بلادي فتاوى منحرفة كجهاد النكاح وجهاد المحارم...".
وأضاف المعلم "نحن من تعرض للقصف بالغازات السامة في خان العسل.. ونحن من طلبنا لجنة التحقيق.. وطالبنا أن يكون ضمن صلاحياتها تحديد من قام باستخدام السلاح الكيميائي.. والولايات المتحدة الأمريكية وحليفتاها فرنسا وبريطانيا هم من عرقل ذلك وأصروا حينها على حصر مهام اللجنة بتحديد استخدام الكيميائي من عدمه فقط".
وتابع المعلم.. "انتظرت سورية خمسة أشهر لحضور اللجنة وعندما حضرت تم سحبها قبل إنجاز عملها وفي وقت بدأت فيه دول بقرع طبول الحرب على سورية" لافتا إلى أن سورية وافقت على المبادرة التي أطلقها مشكوراً الرئيس فلاديمير بوتين رئيس روسيا الاتحادية وهي إذ انضمت إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية تثبت للعالم كله التزامها بالوقوف ضد أي استخدام لهذه الأسلحة وفي الوقت نفسه تضع العالم أمام مسؤولياته في مجال منع انتشار أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط.
وأوضح المعلم أن سورية معروفة بالوفاء بتعهداتها والتزاماتها وقال "إنه وانطلاقاً من ذلك فإنني أؤكد التزام سورية بتنفيذ أحكام الاتفاقية كاملة وبالتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية كدولة طرف في الاتفاقية.. لكن التحدي الذي يواجه الجميع الآن هو هل سيلتزم من يمد الإرهابيين بهذا النوع من السلاح وغيره بالتوقف عن ذلك فوراً... لأن الإرهابيين في بلادي يحصلون على السلاح الكيميائي من دول باتت معروفة للجميع.. إقليمية وغربية .. وهم من يطلقون الغازات السامة على جنودنا وعلى المدنيين العزل".
وأكد المعلم أن وقف السياسات العدوانية تجاه سورية هو أول الطريق الصحيح للحل فيها موضحا أن أي كلام عن حل سياسي في ظل استمرار دعم الإرهاب تسليحاً وتمويلاً وتدريباً هو مجرد وهم وتضليل وقال.. "إن من يريد حلاً سياسياً في سورية وخاصة أن سورية أعلنت مراراً وتكراراً أنها مع الحل السياسي يجب أن يتوقف عن كل الممارسات والسياسات العدائية ضدها وليتجه إلى جنيف دون شروط.. ولأن الشعوب هي التي تقرر مصيرها فإن الشعب السوري هو المخول الوحيد في اختيار قيادته وممثليه ومستقبله وشكل دولته التي تتسع لكل فئات وأطياف الشعب السوري بمن فيهم من غرر به وأخطأ الطريق".
وأضاف المعلم "إننا لا نراهن على أي جهة أو طرف سوى ذلك الشعب السوري المصمم بكل مكوناته على رفض كل أشكال التدخل الخارجي بشؤونه الداخلية وهزيمة دعاة مشروع الطائفية والتطرف والإرهاب لأن الارتباط وثيق في بلادي بين سياسات الدولة وتطلعات الشعب.. وتبقى صناديق الاقتراع في انتخابات حرة ونزيهة هي الحل الوحيد لمعرفة خيارات الشعب السوري في تقرير مستقبله بعيدا عن الضغوط الإرهابية والإملاءات الأجنبية".
ولفت المعلم إلى أن هناك من لا يريد الحل السياسي ويتجه دائماً للعدوان إما مباشرة أو عن طريق عملائه على الأرض.. وهذا ما يحصل في سورية.. لقد التزمت سورية بالحل السياسي.. لكن هذا لا يعني أن التزامنا بالحل السياسي هو أن نترك الإرهاب يضرب المواطنين الآمنين.. ولا يعني أن نرى مساجدنا وكنائسنا تهدم كما حصل في حمص وحلب والآن معلولا التي مازال أهلها يتكلمون بلغة السيد المسيح عليه السلام.. وما يحصل للكنائس والمساجد يحصل لكل الإرث الحضاري التاريخي لسورية والإنسانية.
وتساءل المعلم "هل يعرف ممثلو الدول في هذا التجمع العالمي الموقر أن إرهابيين من أكثر من 83 دولة يمارسون قتل شعبنا وجيشنا تحت نداء الجهاد التكفيري العالمي... وفي مواجهة ذلك هل يحق للبعض أن يطالب الدولة السورية بتجاهل مسؤولياتها الدستورية في حماية مواطنيها والحفاظ على وحدة بلدهم وسيادته واستقراره...".
وقال المعلم "إن الحرب على الإرهاب ليست حرب سورية فقط.. فهؤلاء الإرهابيون سيعودون يوماً ما إلى الدول التي جاؤوا منها وعندها لن تكون أي دولة في العالم في منأى عن هذا الإرهاب الذي لا يعرف حدوداً ولا جغرافية".
وأضاف المعلم "لقد نتج عن الأحداث في سورية تزايد الاحتياجات الإنسانية في العديد من القطاعات الأساسية وأدت العقوبات الأحادية اللاأخلاقية واللاإنسانية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى مفاقمة الأوضاع المعيشية للمواطنين السوريين في وقت تقوم فيه حكومة بلادي بالتعاون مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في إطار خطة الاستجابة بالعمل على تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين وبشكل خاص الذين اضطروا لترك بيوتهم والنزوح عنها.. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الكثير من أبناء الوطن أجبروا على اللجوء إلى بعض دول الجوار من قبل المجموعات الإرهابية المسلحة في المناطق الحدودية".
وتابع المعلم "ومما يؤسف له أن هؤلاء المهجرين وضعوا في بعض الدول في معسكرات للتدريب على السلاح أو في ما يشبه أماكن الاعتقال.. وأناشد من على هذا المنبر المواطنين السوريين للعودة إلى مدنهم وقراهم حيث تضمن الدولة عودتهم الآمنة وحياتهم الكريمة بعيداً عما يعانونه في هذه المخيمات من أوضاع لا إنسانية".
وقال المعلم "أود أن أؤكد لكم استعدادنا لبذل أقصى الجهود لإيصال مساعدات المنظمات الدولية إلى جميع المواطنين السوريين دون تمييز أينما كانوا بما يتوافق مع قرار الجمعية العامة رقم 46/182 وفي إطار احترام السيادة السورية".
وأكد المعلم "أن ما يجري في سورية لا يجعلنا نضيع بوصلتنا الأساس وهي فلسطين والجولان.. وعليه فإن الجمهورية العربية السورية تؤكد تمسكها بحقها الطبيعي في استعادة الجولان السوري المحتل كاملاً حتى خط الرابع من حزيران لعام 1967 ورفضها لكل الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل الدولة القائمة بالاحتلال لتغيير معالمه الطبيعية والجغرافية والديمغرافية في انتهاك واضح لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.. ولاسيما القرار رقم 497 لعام 1981".
وقال المعلم "إن سورية تجدد دعمها للحقوق الثابتة والمشروعة للشعب الفلسطيني وخاصة حقه في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على أرضه وعاصمتها القدس".
وأضاف المعلم "بعد انضمام سورية إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة الكيميائية تجدد بلادي دعوتها المجتمع الدولي للعمل على إخلاء منطقة الشرق الأوسط من كل أسلحة الدمار الشامل وتذكر في هذا الإطار بالمبادرة التي طرحتها نهاية عام 2003 خلال عضويتها في مجلس الأمن وتدعو المجلس إلى اعتمادها وتؤكد أن إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل غير قابل للتحقيق من دون انضمام إسرائيل القوة النووية الوحيدة في المنطقة إلى كل معاهدات حظر هذه الأسلحة وإخضاع منشآتها النووية لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية".
وتابع المعلم "كما نؤكد في ذات الوقت على ما نصت عليه معاهدة عدم الانتشار النووي من حق جميع الدول في حيازة التكنولوجيا النووية للاستخدامات السلمية" مشيرا إلى أن سورية تدين استمرار الولايات المتحدة وإسرائيل في عرقلة عقد المؤتمر الدولي المعني بإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط والذي كان من المقرر عقده عام 2012.
وقال المعلم إن "بلادي تدعو الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي وغيرها إلى الامتناع عن تبني إجراءات اقتصادية أحادية غير أخلاقية تنافي قواعد القانون الدولي ومبادئ التجارة الحرة.. وانطلاقاً من ذلك فإننا ندعو إلى رفع الحصار الذي تفرضه الولايات المتحدة على كوبا منذ عقود.. كما نجدد دعوتنا إلى رفع ووقف كل الإجراءات القسرية الأحادية المفروضة على سورية وشعوب دول أخرى مثل فنزويلا وبيلاروس وإيران وكوريا الديمقراطية".
وأضاف المعلم "يحدونا الأمل في أن تتمكن الأمم المتحدة من السير بشعوب العالم نحو مستقبل أفضل يحقق طموحات تلك الشعوب في العيش الكريم والتنمية والاكتفاء الغذائي بعيداً عن كل أشكال التوتر والمواجهة والحروب إعمالاً لما أرساه ميثاق الأمم المتحدة من مبادئ ومقاصد سعت إلى الحفاظ على سيادة الدول والمساواة بينها في الحقوق والواجبات.. وفي هذا الصدد تعبر بلادي عن ارتياحها لجهود الولايات المتحدة وإيران من أجل ردم هوة عدم الثقة بين البلدين آملين أن ينعكس ذلك إيجابياً على استقرار العلاقات الدولية".
وكان المعلم هنأ في بداية كلمته جون آش وبلاده أنتيغوا وبربودا الصديقة على انتخابه رئيساً للجمعية العامة في دورتها الحالية متمنيا له النجاح والتوفيق في قيادة أعمالها بما يعزز دور رئيس الجمعية العامة المهم والمحايد الذي اضطلع به سلفه والذي جنب رئاسة الجمعية الانخراط في أجندات سياسية خاصة.
المصدر: وكالة سانا