افتتاحية قاسيون776: ما الذي يخشاه «الأمريكي»؟
المتتبع لجملة المواقف من، وردود الأفعال على، ما عرف بـ«الاتفاق الروسي- الأمريكي حول سورية» منذ الإعلان عنه، ومن ثم دخول «نظام وقف الأعمال العدائية» حيز التطبيق، يلحظ أن أحداً من الأطراف الدولية أو الإقليمية أو المحلية، باستثناء حفنة من الجماعات المسلحة، لم يتجرأ على الرفض العلني، وهو ما يعكس تثبيت الميل الدولي- تحت الضغط الروسي المستمر- لحلحلة القضايا الميدانية السورية العالقة، باتجاه حلحلة مسار الحل السياسي للأزمة السورية.
كل ما بقي أمام الرافضين ضمناً للاتفاق من اللاعبين الدوليين والإقليميين هو تحريك بعض جماعاتهم «السوريين»، إما لإعلان الرفض بـ«النيابة» أو لتسجيل ملاحظات لا أكثر، ناهيك عن تحريك عدد صغير من الفصائل المسلحة المرتبطة بهم لإعلان عدم الالتزام بالهدنة أو لخرقها، مع محاولة توسيع الجبهات في مختلف مناطق البلاد، ولاسيما مع صمود الهدنة في حلب عموماً، وانضمام قرى وبلدات سورية إلى نظام التهدئة على نحو يومي.
ومع تثبيت حقيقة أن الاتجاه العام ميدانياً يسير نحو التهدئة مع الانخفاض اليومي المطرد في عدد الخروقات، يجدر التذكير بأن من يخرق الهدنة عملياً بات اليوم أكثر من أي وقت مضى يتموضع في صف المنظمات المصنفة إرهابية. أي أن الالتزام بالهدنة من عدمه في النهاية هو عامل فرز معياري بين من يدعم الحل السياسي للأزمة ومن لا يريد ذلك تحت أي مسمى كان، ليصبح بالتالي عامل إعاقة يحابي الإرهابيين وينبغي التعامل معه بالوسائل كافة.
اللافت أن مجرد الإعلان عن عناوين الاتفاق أحدث حراكاً دولياً وإقليمياً، من الكيان الصهيوني الذي جدد عدوانه على الأراضي السورية ليقول نظرياً «إنه موجود ولا ينبغي استبعاده» وليثبت عملياً أنه العدو التاريخي للشعب السوري، وهو يقتات على استمرار معاناته، إلى فرنسا التي طالبت بالاطلاع على مضمون الاتفاق.
وهنا فإن اللافت أيضاً أن واشنطن تواصل رفضها لنشر هذه المضامين، وسط إصرار روسي مستمر على ذلك، بما يدحض من المنظور الروسي فكرة «فوق الطاولة وتحتها» التي تروجها للمفارقة أبواق إعلامية محسوبة على هذا الطرف أو ذلك، والتي تشترك في تطيير «عش دبابير» إعلامي يشكك بالاتفاق ويتنبأ فشله أو يتمنى ذلك أو يحاول العمل عليه، استكمالاً للإرهاب الإعلامي الذي يستهدف أي بصيص نور أمام السوريين من نفق كارثتهم الدامية..!
ويتجاهل هؤلاء طرح التساؤل المنطقي: لماذا يخشى «الأمريكي» نشر بنود الاتفاق؟ وهم يتجاهلون جملة من العوامل في ذلك:
- أن هذا «الأمريكي» يفكر بـ«خطوة للوراء» في حال «فشل الاتفاق» كما يتمنى، حيث أن بقاءه سرياً يخدمه بهذا المعنى.
- أن عقد الاتفاق بعد سبعة أشهر من صيغته الأولية جاء تحت الضغط الروسي على الأمريكيين الذي سيستمر كما هو واضح حتى تنفيذه، بدليل أن الأمريكيين سلموا الروس للمرة الأولى قوائم بأماكن انتشار الجماعات المسلحة المحسوبة عليهم.
- أن اضطرار واشنطن لقبول الاتفاق بما يتضمنه من إحداث الفرز المطلوب بين «المعتدل» القابل للحل السياسي و«الإرهابي» الواجبة مكافحته، على نحو مشترك وفعّال، إنما يعكس جوهرياً عمق المأزق داخل أوساط الإدارة الأمريكية، التي عملت دوائر الفاشية الجديدة بداخلها على الاستثمار في المنظمات الإرهابية لإدامة الاشتباك مناطقياً لمشاغلة الخصوم الاستراتيجيين على الدوام.
- أن الصراع السوري هو أحد أبرز وجوه تكثّف الصراع العالمي اليوم، وأن صمود الاتفاق واضطرار واشنطن للذهاب للخطوة التالية فيه، وهي توجيه ضربات مشتركة ضد داعش والنصرة يعني قطع شوط أساسي في إنهاء الصراع السوري بالتوازي مع توجهه نحو حل سياسي جدي يكرس ترجمة موازين القوى العالمية.