افتتاحية جريدة قاسيون(العدد762):خطوات سريعة قادمة!
تسود أخبار الميدان العسكري المشهد الإعلامي منذ انتهاء الجولة السابقة من جنيف3 وحتى الآن. وتتكئ قوى متشددة عديدة على ارتفاع صوت المعارك لتبث عبره حنينها إلى منطق «الحسم- الإسقاط» الذي بات وراءنا منذ سنوات، بفعل الأمر الواقع، محلياً وإقليمياً ودولياً، وهو ما تم تثبيته بالقرار 2254.
في الأثناء، تلقي قوى التشدد بدعاباتها السمجة حول ما كانت ستحققه من «انتصارات ساحقة» لو لم تعقها عن ذلك «الهدنة» التي فرضها الروس، ولا توفر هذه القوى جهداً، بمواقعها المختلفة من المتراس، في الهجوم على الروس، تارة بالحديث عن استهداف المدنيين، وأخرى بالحديث عن «صفقات»، وحيناً بالقول بوجود «دستور روسي» معد مسبقاً لسورية الجديدة وإلخ.. والأصل أن هجومهم في جوهره، ليس إلا هجوماً على الحل السياسي الذي سيقطع «أرزاق» مافيات النهب الداخلي والخارجي، وسيعيد ترتيب المنطقة إقليمياً استناداً إلى ميزان القوى الدولي الجديد بكل ما يعنيه ذلك من تغييرات كبرى..
بعيداً عن نظرات المتشددين و«تحليلاتهم»، فإنّ فهم تطورات الأحداث في سورية، خلال الفترة الماضية، بإحداثييها الأساسيين: محاربة الإرهاب، والحل السياسي، أمر متعذر ما لم يجر الانطلاق من فهم وتتبع «الصراع- التوافق» الدولي بين روسيا والولايات المتحدة، وفي هذا الشأن، وبما يخص الأزمة السورية فإنّ ما يمكن تثبيته هو النقاط الأساسية التالية:
أولاً: إنّ دخول الولايات المتحدة الحرب ضد داعش من باب الرقة في هذا التوقيت، هو دخول اضطراري دفعها نحوه تحرير تدمر الذي جرى بتغطية روسية، وكذلك استمرار ضغط الروس نحو استكمال الإجهاز على داعش سواء شارك الأمريكيون في ذلك أم لم يشاركوا.
ثانياً: إنّ واشنطن وإن دخلت المعركة ضد داعش في الرقة، فإنّ واقع الحال يشير بوضوح إلى تلكؤها وتراخيها وعدم جديتها، ويشير إلى أن حدوث «نورماندي جديد» يتفق فيه الشرق والغرب على محاربة الفاشية، لا يزال «أبغض الحلال» بالنسبة لأمريكا وإن كانت ستضطر إليه عاجلاً وليس آجلاً.. تفسير تراخي واشنطن هو أنها لا تزال ترى أن لداعش وظيفة يمكنها تأديتها ضمن المصلحة الأمريكية، وهو ما أشرنا إليه مراراً من أنّ التيار «العقلاني» ضمن واشنطن يسعى إلى استفادة قصوى من التيار الفاشي بهدف إطالة الاستنزاف قدر الإمكان بما يقلل زخم اندفاعة الخصوم الدوليين، الروس والصينيين.
ثالثاً: الأمر نفسه يفسر تمييز «النصرة» عن «داعش» في الخطاب والسلوك الأمريكيين، وتحديداً الطلبات الأمريكية المتكررة من الروس لأخذ مهل إضافية لعملية ابتعاد المسلحين الآخرين عن «النصرة» قبل أن يضربها الروس.
رابعاً: يقابل ذلك إصرار روسي على فرض منطق محدد في عملية محاربة الإرهاب، هو منطق التلازم بين حرب جدية سريعة ومتزامنة وكبيرة على الإرهاب، وبين تعميق نظام الهدنة بما يسمح بتوحيد البنادق السورية في مواجهة الإرهاب، وبما يسمح بإبعاد الأذرع الإقليمية عن تدخلاتها السلبية في الشأن السوري.
يتلازم الإصرار الروسي على هذين الأمرين، (محاربة الإرهاب جدياً وتعميق الهدنة)، مع إصرار على إحداث اختراقات إضافية وجدية في مسألة الحل السياسي، وهو ما سنراه خلال الفترة القريبة المقبلة..