افتتاحية قاسيون 758: على مرمى حجر..!
استمرت خلال الأيام الماضية محاولات التصعيد والتوتير التي سبقت ورافقت وتلت جولة جنيف3 الماضية. وشهدت هذه المحاولات مؤخراً مزيداً من الاستماتة من جانب الإرهابيين والمتشددين الإقليميين والمحليين في استهداف المدنيين تحديداً، فكانت مجزرة قرية «الزارة» في ريف حماة، وكذلك «مجزرة الليرة السورية»، إضافة إلى عراقيل ظهرت في ملف إيصال المساعدات الإنسانية، بالتوازي مع حملات إعلامية «نارية»، «حسماً» و«إسقاطاً»، و«تيئيساً» للناس من الحل السياسي.
إن مجمل عمليات التصعيد هذه، والتي تتقاطع في ممارستها، والدفع نحوها، جهات مختلفة، إقليمية وداخلية، المشترك بينها هو التشدد وانغلاقها على مصالحها المادية والسياسية الضيقة، وخوفها من الحل السياسي. وإنّ مجمل هذه العمليات ليست أكثر من محاولات للرد على التطور السريع، وغير المؤاتي بالنسبة لهذه الأطراف، في ملفات الخروج من الأزمة، وهو ما يمكن تكثيفه بالتالي:
أولاً: أخرج القرار 2254 المسائل الإنسانية المختلفة من نطاق «البازار السياسي»، وجرى تثبيت هذا الأمر في البيان المشترك الروسي- الأمريكي الأخير، وانسحب ذلك على البيان الصحفي لمجلس الأمن الدولي يوم 12 أيار الذي أدان استهداف المدنيين، وكان متوازناً في تحميل المسؤولية للحكومة السورية والجماعات المسلحة. وهو ما يعني سحب جملة من «الأوراق» من يد المتشددين الذين كانوا يتعاملون مع الملفات الإنسانية طوال الأزمة بوصفها أدوات تفاوضية، الأمر الذي ضيّق مساحات وهوامش حركة المتشددين.
ثانياً: عبر العملية العسكرية الروسية التي بدأت في 30\9، ومن ثم «وقف الأعمال العدائية» ابتداءً من 27 آذار، ومؤخراً مع وضع «النصرة» تحت النار الكثيفة، جرت وتجري عملية محاربة الإرهاب ضمن نطاق توافق دولي. وبالتوازي، تتسارع عملية فرز المسلحين الإجبارية بين «إرهابي وغير إرهابي»، بما في ذلك تموضعهم الجغرافي، ما يعني أن مصير هذه الورقة أيضاً هو السقوط السريع من يد مستخدميها المباشرين، ومن يد المستفيدين غير المباشرين منها.
ثالثاً: في البيان المشترك نفسه، تمّ تثبيت ما وصل إليه دي مستورا في الجولة الماضية كنقطة انطلاق للجولة اللاحقة. أي أن مسألة تصويب تمثيل المعارضة السورية، وصلت إلى نقطة لا عودة عنها، كما أنّ موضوعة الجسم الانتقالي بوصفها الملف الأساسي للمباحثات ستكمل طريقها على الطاولة نحو الحل.
إن تفسير سلوك متشددي الأطراف المختلفة، رغم وضوح الخط العام الذي تسير وفقه الأمور، بالنسبة لهم على الأقل وأياً كانت الأكاذيب التي يلقونها على الجمهور عبر منابرهم المختلفة، إن تفسير هذا السلوك يتضح في النقاط التالية:
أولاً: المحاولات الأخيرة لتغيير مسار الأمور، وإن لم تنفع، فتأخيره أو عرقلته، لعل وعسى تظهر إمكانيات حرفه أو تغييره في وقت ما لاحقاً.
ثانياً: العمل بالتوازي على تهيئة الظروف للمرحلة القادمة الانتقالية. وتبرز هنا وبشكل خاص، «مجزرة صرف الدولار» التي يسعى من خلالها الناهبون الكبار المحليون إلى زيادة توتير الأمور وإلى تأمين مرتكزات مالية لهم ضمن المرحلة الانتقالية، وإلى تعقيد تلك المرحلة على الأطراف التي ستديرها..
إن ما يسقط من حسابات المتشددين، هو الناس. وليس بجديد عليهم أن يسقطوا الناس من حساباتهم، فلطالما تعاملت الجهات المتشددة مع الناس ككادر لصورها أو كمادة لحرائقها. ولكن المرحلة القادمة، مرحلة الحل السياسي، هي مرحلة سيعلو فيها صوت السوريين مجدداً.. وهذه المرحلة باتت على مرمى حجر.