جميل: الاتفاق الروسي- الأمريكي تاريخي لأنه يجبر كذلك الدول المتورطة في الأزمة السورية على وقف إطلاق النار
عقد د. قدري جميل عضو قيادة جبهة التغيير والتحرير، وأمين مجلس حزب الإرادة الشعبية، مؤتمراً صحفياً في وكالة ريا نوفوستي في العاصمة الروسية موسكو ظهر يوم الاثنين 29/2/2016 تناول فيه آخر تطورات الوضع في سورية، ولاسيما الإعلان عن استئناف مفاوضات جنيف3 في أعقاب الإعلان عن وقف إطلاق النار في البلاد. وفيما يلي المداخلة الرئيسية التي قدمها في مستهل المؤتمر، بعد شكر المنظمين والصحفيين على الحضور:
ثلاثة أسابيع، كما قال السيد دافيدوف ليست بفترة طويلة، ولكن يجب أن نعتاد على أن الأزمة السورية دخلت في مرحلة جديدة، ستتميز بتسارع الأحداث فيها. من اليوم فصاعداً فإن مدة شهر أو أسبوع من الأزمة السورية ستعادل أشهراً وسنوات في أحداثها وتطورها بالمقارنة مع الفترة السابقة. لذلك ليس هذا الأمر غريباً، ويجب أن نتعامل معه، وهذا شيء جيد لأنه إن كان يدل على شيء فهو يدل على أن الأزمة بشكلها الذي رأيناه واعتدنا عليه سابقاً قد دخلت في منحى جديداً، وهذا المنحى يتميز أننا عملياً نجتمع اليوم في اليوم الثالث للهدنة ووقف إطلاق النار والعمليات العدائية. وما قلته قبل أن ندخل هنا للسيد دافيدوف، وأريد أن أكرره، هو أن الكثيرين قبل أن يدخل هذا القرار حيز التنفيذ لم يكونوا يأملون بأنه سيطبق، وسيدخل حيز التنفيذ، ولكن بعد مرور اليوم الأول بنجاح نسبي كبير، وبعد وصولنا لليوم الثالث، بدأت تظهر فسحة أمل جدية لدى الشعب السوري. وهذه الفسحة من الأمل أعتقد أنها ستتسع لأنكم توافقونني الرأي أنه بعد خمس سنوات من أزمة طاحنة دموية فإنه من الصعب على الإنسان السوري الذي كان يعيش في هذا المعترك أن يقتنع أنه من الممكن أن نصل إلى حل بهذا الشكل السريع وأن يعطي نتائج سريعة، علماً بأن خمس سنوات هي فترة طويلة.
إذاً ثلاثة أيام على الهدنة وقرار مجلس الأمن صدر منذ فترة ليست بطويلة وأريد أن أعلن أمامكم أن هذا الاتفاق ما كان ممكناً أن يحصل لولا التفاهم الروسي الأميركي على وقف إطلاق النار في سورية وأسجل أن هذا الحدث سيسجل في التاريخ على أنه حدث هام جداً ونقطة علّام جديدة في العلاقات الدولية، وسيستند تطور مستقبل العلاقات الدولية كله في بناء العالم الجديد المتعدد الأقطاب والذي يتحدى مخاطر التطرف والإرهاب، سيتحدد على أساس هذا الاتفاق. وأقول أن هذا الاتفاق تاريخي، ليس لأنه ليس وقف إطلاق نار بين أطراف سورية متحاربة فحسب، بالدرجة الأولى هو إجبار الدول المتورطة في الأزمة السورية على وقف إطلاق النار، أي أن وقف إطلاق النار هو بين دول ومن دول. ما رأيناه مؤخراً من خروقات لوقف إطلاق النار هامة جرت من قبل دول إقليمية ولا يلقى في نفسها هذا الاتفاق هوى ولا يعجبها، ورغبتها الحقيقية هي في أن يفشل هذا الاتفاق، وتحاول أن تضع رهاناتها عبر إعلامها على أساس أن هذه الرغبات واقع. ولكن الوقائع الجارية تكذب هؤلاء جميعهم لأن اتفاق وقف إطلاق النار صمد والمحطات الإعلامية التلفزيونية التي تخدم الجهات الإقليمية التي لم يعجبها اتفاق إطلاق النار إذا كنتم تتابعونها ترون أنها كانت تتعطش لأي خرق والإعلان عنه والمبالغة به ولوضع فكرة في عقل المشاهد أن هذا الاتفاق غير قابل للعيش. ولماذا أقول ذلك؟ أنا أقول ذلك لأن هذا الاتفاق جرى رغماً عن إرادة بعض القوى الإقليمية، ويعود الفضل لذلك للاتفاق الروسي الأميركي. وهذا ليس بغريباً وأنا قلت في مؤتمرات صحفية سابقة، لأن التاريخ في الثلاثينات من القرن الماضي شهد اتفاقاً تاريخياً مماثلاً بين طرفين تاريخياً ليسوا بحلفاء (الغرب وأوربا والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي)ضد النازية الهتلرية الفاشية، أي هناك سابقة في التاريخ. وأنا قلت في حينه أن التطرف الذي نشهده في منطقتنا، وخاصة في العراق وسورية، هو أحد أشكال الفاشية الجديدة وعلى القوى العظمى أن تعي هذه الحقيقة، وأن تجد في نفسها الإرادة بالتحالف وأن تكرر ما جرى في الثلاثينيات لأن هذا التحالف عملياً هو من هزم الفاشية. واليوم مكتوب على هذا التحالف أن يهزم الفاشية الجديدة. إن الفاشية الجديدة تستند إلى التطرف في الفكر الديني في نشر الإرهاب لنسف الاستقرار في المنطقة، والوضع خطير، وهو ينتشر كالسرطان. لذلك لا أمل في إنقاذ المنطقة من الكارثة إلا باتفاق دولي ونحن نرى بوادره الآن بشكل واضح ونعي جميعاً أن هناك مقاومة شديدة له حتى داخل الغرب من أوساط سياسية وإعلامية، ولكن لا أعتقد أن مهمة إنقاذ العلاقات السليمة بين الدول وإنقاذ كوكبنا ستسمح لهذه التيارات بأن تسير في الاتجاه الذي تريده.
وأريد أن أقف عند نقطة، العجيب الغريب أن أوربا التي عانت من الفاشية السابقة كثيراً والتي هي اليوم بدأت تعاني من الفاشية الجديدة بأشكال مختلفة، ومن أثر الأزمة في الشرق الأوسط، في المنطقة وفي سورية خاصة، أوربا هذه تصدر عنها تصريحات خطيرة وغريبة حول أن الناتو يجب أن يستعد في مواجهة روسيا في أوربا، ورافقها ذلك طبعاً استفزازات من تركيا حليفة الناتو، إن هذه التصريحات من جهة تخالف المنطق والقوانين الدولية وخاصة قرار مجلس الأمن الذي صادق على وقف إطلاق النار. وإن نجاح وقف إطلاق النار في سورية وحل الأزمة في سورية على أساس قرار مجلس الأمن سيسجل سابقة هامة جداً وستعمم وستصبح نموذجاً لحل الأزمات التي نراها أمامنا، في اليمن والعراق وليبيا.. وفي فلسطين، نعم. لماذا أقول هذا الكلام؟ لأن هذا الاتفاق هو تعبير عن ميزان قوى دولي جديد، وهو إن انعكس في الأزمة السورية فهو لن يتوقف عندها وسيتوسع تأثيره إلى مناطق التوتر والأزمات كلها. وعندما كنا نقول أن عالماً جديداً يولد فإنه فعلاً يولد، وهنا يحضرني فكرة قالها المفكر الكبير غرامشي: تأتي لحظات في التاريخ، الجديد يولد فيها، ولكن لم يولد بعد، والقديم يموت، ولكن لم يمت بعد. في هذه اللحظة قبل انبلاج الفجر أي قبل موت القديم والولادة النهائية للجديد في هذه اللحظة لحظة انبلاج الفجر وعادة تكون العتمة شديدة، تظهر الوحوش الكاسرة. وهو ما نراه عندنا، الوحوش الكاسرة المتمثلة بداعش وجبهة النصرة وأخواتها هي تعبير عن لحظة تاريخية، قديم يموت وتفلت من أيديه قدرة التحكم بالأمور والمقدرات، ووليد جديد لم يلد ولكن قواه غير كافية للإمساك بالتطور القادم. في هذه اللحظات العصيبة تظهر قوى من هذا النوع ولذلك مهمتنا تسريع ولادة الجديد، وهو ما سيقضي على الوحوش، الجديد هو العلاقات الدولية الجديدة، هو مجتمعات مدنية علمانية ديمقراطية، هذا هو الجديد الذي نسعى إليه.
كلامي إلى الآن في الإطار العام ولكن أنا متأكد أنكم تريدون أن تسمعوا مني شيئاً حول استمرار المفاوضات في جنيف. تلقينا فعلياً دعوى من السيد دي ميستورا بالذهاب إلى جنيف في السابع من هذا الشهر، وستستمر حسب تقديره حتى الرابع والعشرين من آذار، وأريد أن أقول لكم الآن أن الاتفاق الروسي الأمريكي حول وقف إطلاق النار ساري المفعول، وسترافقه إجراءات مختلفة (لجان الإشراف على ومراقبة وقف إطلاق النار ووصول المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة) إن هذا الأمر وما جرى وما سيجري سهل لنا نحن المعارضة وسهل للنظام قطع نصف الطريق المطلوب قطعه للوصول إلى اتفاق نهائي وشامل حول الأزمة السورية، أي أنكم ترون أن أحداث الأسبوعين الأخيرين عملياً سمحت بقطع طريق لم يكن ممكناً تجاوزه والسير به وإنجازه خلال السنوات الماضية. اليوم أعتقد أن المطلوب منا كسوريين، معارضة وحكومة، تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار وتطويره بشكل أن يمتد زمنياً إلى فترات أكبر والاستمرار في تكثيف المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة كلها. وهنا تنتصب مهمة جديدة يجب أن لا ينساها أي مسؤول سوري، إن كان في الحكومة أو في المعارضة، هذه المهمة مرتبطة بكون أن الشعب السوري كله محاصر من العقوبات الأوروبية والغربية المفروضة من جانب واحد. هذه العقوبات أضرت بالسوريين العاديين، بالشعب السوري وعمقت الأزمة والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، لذلك بعد أن حللنا بشكل كبير مشكلة المناطق المحاصرة يجب أن يوضع على جدول الأعمال المنطقة المحاصرة الكبرى وهي سورية. إن حل هذه المشكلة سيساعد على تخفيف آلام وعذاب السوريين، الشعب السوري أن يحاصر بهذا الشكل، الشعار الذي رفعه الغرب والولايات المتحدة من وراء هذه العقوبات هو محاصرة النظام، ولكن فعلياً جرى محاصرة الشعب السوري والنظام لم يتأثر، نخب النظام لم تتأثر، بل أقول لكم أكثر من ذلك: من هنا أو هناك، النخب في النظام أو بعض النخب على الأرض التي ترتبط بالمجموعات المسلحة يمكن أن تدخل في مجموعة غينيس للأرقام القياسية في نهب الثروات وتجميع النقود في الظروف الحالية لسورية. اليوم في سورية أعداد المليارديرية فاق أعدادها في كل تاريخها، من أين؟؟ من الأزمة، وإن أحد عوامل الأزمة الحصار، والحصار من أحد أهم عوامله أنه يرفع الأسعار. في الحصار كل السلع موجودة ولكن أسعارها تختلف، هنالك فارق سعري يوضع على أي مادة من أجل الحصول عليها ويغتني من وراء ذلك تجار الأزمات الموجودين على طرفي المتراس.
إن الوضع الجديد يتطلب مننا كمعارضين أن نتحاور مع الحكومة السورية بشكل جدي ومطلوب منها أن تتحاور معنا بشكل جدي حول آفاق تطور سورية القادم وهذه القضية أصبحت على جدول الأعمال. وأقول لكم بصراحة نحن كمعارضة سنقدم اقتراحات عملية وملموسة فيما يخص هذه النقطة. وأقول لكم بصراحة أكثر نحن كجزء من المعارضة، كجبهة وكحزب لدينا برنامج واضح ومفصل حول الجوانب كلها المتعلقة بتطور سورية اللاحق، الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ونتمنى أن نتوصل مع وفد النظام إلى التقارب أو اتفاق أو إعلان على كل ما نتفق عليه كي يكون نتيجة لاتفاق السوريين المشاركين في الحوار، سواء كانوا معارضة أم نظام، والمطلوب منا أن نناقش حول تشكيل حكومة تتحمل مسؤولياتها لتنفيذ قرار مجلس الأمن بتفاصيله كلها، وأن نضع الإطار العام للتغييرات الدستورية المطلوبة التي تستحقها سورية الجديدة، ومطلوب ثالثاً تنفيذاً لقرار مجلس الأمن أن نحضر من خلال النقطة الأولى (الحكومة والدستور) للانتخابات النيابية والرئاسية القادمة ضمن المهل الزمنية التي وضعها قرار مجلس الأمن. واليوم لم يعد خيالاً الحديث أنه يمكن أن يدور النقاش حول هذه النقاط في جنيف، فقد كانت صعبة المنال سابقاً، والجلوس على الطاولة والتحدث حول هذه الأمور التي اعتقد البعض أنها بعيدة وخيالية واليوم أصبحت عملية وواقعية.
ترون أنني متفائل وما كنت يوماً غير متفائل رغم كل الصعوبات، وهذا التفاؤل واقعي ويستند إلى المعطيات، ولست الوحيد الذي أرى الضوء في نهاية النفق، اليوم كثير من السوريين انتعشت لديهم الآمال، ولكنهم حذرون لأنهم عانوا كثيراً، ومعهم حق أن يكونوا حذرين، وأعتقد أنه عبر تصرفاتنا المسؤولة، كمعارضة ونظام، يجب أن نعزز هذا الأمل، ونثبت وقف إطلاق النار وأن نتقدم إلى الأمام. وأنتهز في النهاية هذه الفرصة لأشكر السيد دي ميستورا على رفعه للجلسات في الجولة الماضية لأنه لو لم يرفعها لكانت فشلت المفاوضات كلها، وقد استفدنا من رفع الجلسات لكي نوقف إطلاق النار ولكي نوصل المساعدات الإنسانية ونخلق الأجواء الضرورية والمناسبة للانطلاق إلى الحقيقي البعيد المدى للأزمة السورية وشكراً.