إفتتاحية قاسيون 722: «جنيف1».. لا مفر!

إفتتاحية قاسيون 722: «جنيف1».. لا مفر!

مع اقتراب الحل السياسي للأزمة السورية، والتي تسير خطوات الإعداد له بشكل متسارع، تعمل الأطراف المتشددة على محاولة إفشاله مسبقاً، حيث تتجلى أبرز تلك المحاولات، من هذا الطرف أو ذاك، أو بعض القوى الدولية، كالطرف الأمريكي الداعم للفاشية، أو قوى إقليمية، مثل تركيا والسعودية، بالعمل على الهروب من بيان جنيف1، واستحقاقاته، وكل لديه أسبابه ودوافعه.

القاسم المشترك في محاولات هؤلاء هو حقيقة أن جنيف1 يمثل عقدة لهذه الأطراف المتشددة الرافضة للحل، لأن صياغات بعض بنوده لا تتوافق والتفسيرات أحادية الجانب التي يريدها كل طرف، لتأخذ عملية الالتفاف على جنيف1 بهدف نسفه والهروب منه أشكالاً عدة. ويبقى الشكل الرئيسي لذلك هو محاولة كل طرف من الأطراف المتشددة فرض تفسيره «الشرعي والوحيد» لهذا البيان على الآخرين، قبل البدء بعملية الحوار، بصيغة شروط مسبقة، استهدافاً لضرب تلك العملية، ما يعطي المشروعية للطرف المقابل في أن يتنصل من عملية الحوار أو التفاوض، وهكذا دواليك. 

ومن أشكال الالتفاف أيضاً التشويش على الحل السياسي، وعلى المساعي الروسية والدولية لتسريع إحياء مساره، ليس عبر نسف جنيف1 وحسب، بل عبر محاولات إنشاء مسارات أخرى تسمح عملياً بتأخير الحل أو تعطيله أو تجزيئه بالتركيز على نقاطٍ محددة دون غيرها، كاختصار الحل بالحرب على الإرهاب أو بتشكيل هيئة الحكم الانتقالية، واختزال المشهد السوري بمسألة بقاء الرئيس أو رحيله.
المفارقة التي لا تريد تلك القوى المتشددة الإقرار بمسؤوليتها عن التلاعب بها هي أن جنيف1 هو نقطة التوافق الرئيسية بين القوى الدولية لحل الأزمة السورية حلاً سياسياً، وأن إعادة العمل على صياغة مثل هذا التوافق هي عملية طويلة الأجل ستستدعي تأخير الحل السياسي وإراقة مزيد من الدماء، وتعقيد المشهد الميداني بما يسمح بتمدد الإرهاب، وتدهور الوضع الإنساني، ما يقود ليس إلى نسف الحل بالضرورة، فحسب، بل إلى تهديد وجود سورية كلها بمجمله، في حين أن المسؤولية الوطنية والأخلاقية تقول أن وقف الكارثة الإنسانية حقاً يستدعي التوجه بأسرع ما يمكن إلى جنيف3 على أساس جنيف1، بغض النظر عن أية ملاحظات أو تحفظات عليه.
وتتناسى هذه الأطراف عن قصد، أن جوهر بيان جنيف1 يعكس التوازن الدولي الجديد، بين القوى الدولية الصاعدة، ممثلة بروسيا والصين وبقية دول مجموعة بريكس وحلفائهم، وقوى الغرب الإمبريالي المتراجعة. وطالما أن ذلك التوازن لم يُحسم بشكل نهائي بعد، فإن ذلك سينعكس على أن تفسير البيان لن يكون أميل لطرف على حساب الآخر، ما يعني أن الصياغات التي تسمح لبيان جنيف1 بالنجاح هي حلول التوافق والتسويات فيما بين السوريين، المبنية على منطق التنازلات المتبادلة، على أن تصب في نهاية المطاف في مصلحة عموم السوريين، وليس في مصلحة المتشددين، أينما كانوا، والمتهربين جميعهم من تخديم تلك المصلحة، لأنها تتعارض ومصالحهم وحساباتهم الضيقة. 
إن المحاولات الرامية للهروب من جنيف1 هي امتداد، بشكل أو بآخر، لمنطق «الحسم والإسقاط»، المتقهقر أمام تحول التوجه للحل السياسي إلى أمر واقع يفرض نفسه تباعاً على الأطراف كافة. 
إن دأب القوى المتشددة الموجودة في غالبية الأطراف على حد سواء، لمحاولة الهروب من جنيف1 بالعمل على نسفه والالتفاف عليه، يضعها بتناقض صارخ مع رغبات ومصالح عموم السوريين، الذين يتوقون للحل السياسي كونه المخرج الوحيد من الأزمة السورية، التي فاقت فاتورتها كل المقاييس الإنسانية والوطنية، فهو يفتح المجال للتغيير الوطني الديمقراطي الجذري الشامل، ويحافظ على وحدة الأراضي السورية، ويعمل على استعادة جهاز الدولة كاملاً وسيادتها الكاملة على كامل الأراضي السورية، ويسمح بالعمل على محاربة الإرهاب في الوقت ذاته.

آخر تعديل على الأحد, 06 أيلول/سبتمبر 2015 15:43