إفتتاحية قاسيون 697: «موسكو ـ جنيف» مسار ملزم..!
تجري هذه الأيام تحضيرات الجولة الثانية من اجتماع موسكو الذي سيعقد في نيسان المقبل على ما تقول المصادر المختلفة الرسمية وغير الرسمية.
وفي الأثناء تتصاعد محاولات عرقلته أو تخفيض وزنه أو حتى تأجيله إن أمكن، من الأطراف ذاتها التي اشتغلت ضد الجولة الأولى منه، وبالوسائل ذاتها تقريباً مضافاً إليها بعض التنقيحات والتعديلات الشكلية..
وإذا كانت الجولة الأولى رغم ما تعرضت له من هجوم واسع النطاق ومتعدد الأشكال، قد حققت أكثر مما كان مأمولاً منها موضوعياً- ولعل تعتيم الإعلام عليها بعد انعقادها هو أحد مؤشرات نجاحها- فإنّه من الممكن توقع ما هو أكثر في الجولة الثانية، والأهم أنّ تحديد موعد الاجتماع والتحضيرات الجارية بما فيها حضور الأمم المتحدة وتوسيع قائمة المشاركين وأطيافهم، كل ذلك يثبت أنّ الانطلاقة التي بدأت في الجولة الأولى لن تتوقف، بل ستستمر عبر الثانية وصولاً إلى «جنيف-3»، كما أكد أكثر من مرة أصحاب الدعوة، المسؤولون الروس أنفسهم.
إنّ الهدف من اجتماعات موسكو أصبح واضحاً للجميع، وهو تصحيح الأخطاء التي منعت نجاح «جنيف-2» سواء في تمثيل المعارضة أو الحضور الإقليمي، وتطبيق بيان «جنيف-1» بعيداً عن الالتباسات في فهم بنوده وتفسيرها، وذلك لإعادة الأزمة السورية إلى مسار الحل السياسي ضمن «مؤسسة جنيف» التي كان الروس وراء تشكيلها من حيث الأساس، بما يحقق وقف الكارثة الإنسانية، ووقف العنف، ووقف التدخل الخارجي، ومحاربة الإرهاب محاربة جدية، وإطلاق عملية سياسية تقود نحو التغيير الوطني الديمقراطي الجذري الشامل، الاقتصادي- الاجتماعي والسياسي والديمقراطي، وبما يحافظ على وحدة سورية أرضاً وشعباً، وعلى دورها الإقليمي في مواجهة واشنطن وحلفائها في المنطقة وعلى رأسهم الكيان الصهيوني.
بالتزامن مع هذه التحضيرات، يتقدم الفرز سريعاً في صفوف القوى السياسية المختلفة على الساحة السورية، ويبدو الفرز الأكثر جدية هو ذاك الذي يقارب بين المقتنعين بأنّ المسار الموضوعي والوطني الوحيد لحل الأزمة السورية يمر عبر اجتماع موسكو وصولاً إلى جنيف، وخارج هذا الإطار فإنّ التحركات ضمن صفوف القوى السياسية السورية لا يعبر إلا عن عمليات إعادة تموضع متعددة ضمن خندق الوهم المستمر لدى البعض بأنّ واشنطن ما تزال شرطي العالم، وبأن الحل والربط ما يزال في يدها. ولذا فإنّ هذه التحركات بلا جدوى موضوعياً، ولكنها تعبر بشكل أو بآخر عن حجم الضغط الهائل الذي تفرضه اجتماعات موسكو على تلك التيارات التي ما تزال دائرة في فلك الحلول ذات الطابع العسكري الصرف، وفي فلك الموازين الدولية القديمة.
إنّ تثمير الميزان الدولي الجديد وطنياً، يتطلب الإصرار على الحل السياسي كونه الحل الوحيد للأزمة السورية، ويتطلب أعلى درجات المسؤولية الوطنية في التعامل مع الاستحقاقات القادمة، سواء في جولة موسكو الثانية أو ما سيليها، لأنّ درجة تعقيد الأزمة والوضع العالمي تضع سوية والسوريين أمام خيارين لا ثالث لهما: فإما استمرار الصراع بطابعه المسلح وصولاً إلى انهيار البلد، أو الذهاب نحو الحل السياسي مع فرصة تاريخية برفع اليد الأمريكية نهائياً عن سورية وعن المنطقة، وهو ما ينبغي على جميع الوطنيين النضال الحثيث والجاد لتحقيقه.