إفتتاحية قاسيون 686: التنازلات المطلوبة هي للشعب السوري
كلما تسارعت تحضيرات اجتماعات موسكو التشاورية المزمع عقدها في أواخر الشهر الأول من العام المقبل، ازداد عويل المتشددين من كل حدب وصوب ضمن سعيهم إلى إفشال تلك الاجتماعات عبر جملة من المقولات والادعاءات التي يقومون بتأليفها كل يوم انسجاماً مع رغباتهم المتهاوية.
ناسبين إياها للروسي تارة، وللأمريكي تارة أخرى..! غير أن أصواتهم تلك يضعف تأثيرها أكثر فأكثر كلما اقترب الموعد..
إنّ اجتماعات موسكو التشاورية، هي غير رسمية رغم أنها تستند إلى وثيقة جنيف1، حسب تأكيد المضيفين الروس، بمعنى أنها ليست بديلاً عن المسار الرسمي والأوسع في جنيف. وعلى الرغم من كونها كذلك إلا أنها عالية الأهمية انطلاقاً من مسألتين: الأولى هي كونها خطوة على الطريق باتجاه «جنيف-3» واستناداً إلى «جنيف-1»، والثانية هي أنها تقدم فرصة حقيقية لتشاور جدي بين السوريين بعيداً عن عمليات الإقصاء المقصودة وعن صيغة المبارزات الإعلامية التي سادت «جنيف-2». وقبل كل شيء فإنّ هذه الاجتماعات تشكل فرصة هامة وليس فرصة إضافية يمكن تضييعها كغيرها والعودة إلى الانتظار والاستنزاف، انطلاقاً من أنّ الوضع السوري الداخلي، وبحكم الدرجة الكارثية التي وصل إليها، لم يعد يسمح بـ«ترف» الانتظار أو التأجيل، ولم يعد يحتمل استمرار الاستنزاف، وباتت تتهدده أخطار اجتياز نقاط اللاعودة باتجاه التقسيم والتفتيت والانهيار.
وإذا كان بعض المتشددين الرافضين للحل يريدون من خلال ترويجهم إنّ اجتماعات موسكو التشاورية هي بديل عن جنيف التنصل من الاستحقاقات المطلوبة فإنهم يطمحون ربما لأن تشبه الاجتماعات المرتقبة اللقاء التشاوري الذي عقد في تموز 2011 والذي خرج بتوصيات لم ينجز منها شيء حتى اللحظة، أو أن تكون شبيهة بـ«الحوارات المحلية» في المحافظات والتي لم يكن لديها أية صلاحيات سوى الحديث ضمن الغرف المغلقة، وذلك في مقابل متشددين آخرين إما كانوا يرفعون من سقوف توقعاتهم وشروطهم أو لا يشاركون بأي جهد حواري أصلاً.
إنّ اجتماعات موسكو ينبغي أن تكون بداية الطريق نحو العملية السياسية ونحو التغيير الذي لن يبدأ دون تقديم تنازلات متبادلة بين مختلف الأطراف المعنية تصب في مصلحة الشعب السوري في نهاية المطاف، بمعنى أنّ إنجاح الاجتماعات التشاورية في موسكو يتطلب مجموعة من القضايا الضرورية:
أولاً، إيمان حقيقي من جميع الأطراف السورية باستحالة «الحسم العسكري» لمصلحة أي منها.
ثانياً، عداء حقيقي للإرهاب بكل أنواعه وحوامله، ووجود نية وجهد حقيقيين للتخلص منه نهائياً.
ثالثاً، استعداد الأطراف المختلفة لتقديم تنازلات جدية باتجاه مطالب الشعب السوري والتي يكمن جوهرها في التغيير الوطني الديمقراطي الجذري العميق والشامل، بما يحافظ على وحدة البلاد أرضاً وشعباً، ويحافظ على مؤسسات الدولة وعلى مكانة ودور سورية الإقليميين.
رابعاً، إنّ التنازلات التي على الأطراف المختلفة تقديمها، هي تنازلات لمصلحة أولئك الذين دفعوا ويدفعون الثمن في كل المواقع، تنازل لمصلحة فقراء الشعب السوري الذين باتوا يشكلون السواد الأعظم من السوريين، والذين دفعوا ثمن الأزمة وما بعدها مسبقاً، دماً واعتقالاً وخطفاً وتشريداً ونزوحاً، مرضاً وجوعاً وفقراً وبرداً.. هؤلاء من ينبغي أن تنتهي الأزمة ليستمروا، وأن ينجز التغيير ليصب في مصلحتهم.