إفتتاحية قاسيون 685: إعاقة الحل.. رفع مجاني لدور الخارج..!
تتراكم المؤشرات التي تدل على تقدم الجهد الروسي الساعي لإعادة إحياء مسار الحل السياسي في سورية، وتصريح السيد حسين أمير عبد اللهيان مساعد وزير الخارجية الإيراني الذي ثبّت موقف بلاده الداعم للجهد الروسي ليس آخر تلك المؤشرات. هنالك أيضاً إشارات دبلوماسية متعددة تتحدث عن تلمسها بدايات تحول في الموقف التركي.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ إعلان واشنطن والغرب موافقتهم على الجهود الروسية، بدأ بالتحول نحو محاولة التكيف عبر البحث عن مكان في هذا الجهد، وذلك عبر تنشيط دورها المفترض كوسيط دولي وكأحد «الرعاة» الدوليين، وسواء كان نشاطها في إطار إنجاح الجهد الروسي أو إعاقته وتفخيخه، فإنّه يشير إلى جدية الجهد الروسي واحتمالات نجاحه العالية التي تضطر واشنطن إلى العمل لتكون جزءاً منه، بشكل أو بآخر.
بالتوازي مع تقدم الجهد الروسي وتصاعده، تتصاعد حملات التضليل الإعلامي والسياسي الساعية إلى إفشال ذلك الجهد، بدءاً من تسمية الجهود الروسية بـ«المبادرة» وتسمية لقاء موسكو التحضيري باتجاه جنيف بـ«مؤتمر موسكو»، مروراً بمحاولات تغييب «جنيف-1» كأساس للعمل الروسي وللتفاهم وللحوار القادم، ومروراً بالترويج لما يسمى محاولات «تفرد موسكو» بحل الأزمة، بما يعني عدم وجود توافق دولي حول الذهاب إلى الحل، وصولاً إلى الحديث عن وجود خلافات بين موسكو وطهران في طريقة التعاطي مع الأزمة السورية.
لاقت حملات التضليل هذه حتى الآن، وأصحابها من ورائها، ما يكفي من الانتكاسات والتقريع، فتسارع الأحداث لم يعد يسمح بدوام الكذب والتضليل طويلاً، وأحياناً لا يسمح للكذبة بالدوران أكثر من أربع وعشرين ساعة، ومع ذلك يصر المتشددون من طرفي الصراع المعوّمين في سورية على الاستمرار في توليد الأوهام والأكاذيب على أمل الهروب من استحقاقات الحل السياسي.
إنّ وقائع الأزمة السورية أثبتت بما لا يقبل الجدل أنّ استمرار القتال واستمرار الاستنزاف لا يعنيان استمرار الخراب والدمار واستمرار تدويل الأزمة السورية فحسب، بل ويعنيان الارتفاع المطرد لمستوى التدويل ولحجم التدخل الخارجي فعلياً، فبعد كل فشل واجه محاولات عقد الحوار والحل السياسي كان مستوى التدويل يرتفع أكثر من السابق، بما يعني أنّ دور وتأثير القوى الداخلية السورية في الحل، نظاماً ومعارضة، يضعف ويتراجع لحساب الخارج الإقليمي والدولي.
بكلام آخر، فإنّ كل تأخير في الحل السياسي وإلى جانب إضعافه سورية والشعب السوري، فإنّه يضعف دور السوريين في تقرير مستقبلهم، بمن فيهم حتى تلك الأطراف المتشددة التي تلعب دوراً أساسياً في إعاقة الحل على وهم الاحتفاظ بشروطها وبآمالها بـ«إنهاء الطرف الآخر» و«مسحه من الوجود»، والوقائع الميدانية وضمناً دخول «داعش» وتوسعها المطرد ليست إلا الترجمة الميدانية لازدياد مستوى تدويل المسألة السورية.
أبعد من ذلك، فإنّ استمرار الشكل العسكري البحت للصراع بموازاة التمترس وممانعة الذهاب إلى الحل السياسي، إذ يعنيان الارتفاع المطرد في مستوى التدويل والتدخل الخارجي، وانخفاض قدرة الأطراف السورية الداخلية على التأثير، فإنهما يعنيان كنتيجة طبيعية ارتفاع احتمالات التقسيم، وذلك خلافاً للافتراض الذي يروج له في حلب مثلاً من أنّ تجميد القتال سيفتح احتمالات التقسيم. على العكس من ذلك تماماً، فإنّ استمرار القتال واستمرار إغلاق الأفق أمام الحل السياسي، يعني استمرار توسع «داعش» و«النصرة»، ويعني تآكل الفعل السوري الداخلي، معارضة ونظاماً، بما يعرقل الاستفادة المثلى من حلفاء سورية في بحثهم عن حل سياسي لأزمتها خدمة للشعب السوري بالدرجة الأولى، ويقدم على حساب هذا الشعب المنكوب خدمة مجانية للأمريكي المتراجعة مواقعه تحت تأثير ميزان القوى الدولي الجديد.