الاستراتيجية والتكتيك في العِلم الماركسي-اللينينيّ (1)

الاستراتيجية والتكتيك في العِلم الماركسي-اللينينيّ (1)

كتب كبار منظّري الماركسية في عدّة مناسبات حول مسألة الاستراتيجية والتكتيك، وخاصّة فيما يرتبط بالسياسة ونشاط الحزب الشيوعي في مراحل مختلفة قبل وأثناء وبعد الثورة. فيما يلي نقدّم تعريباً لمقتطفات من مقالة هامّة لستالين حول الموضوع، كان قد كتبها في صحيفة البرافدا (آذار 1923)، وذلك قبل نشر كتابه «أسس اللينينية» الذي احتوى بدوره على فصل حول الاستراتيجية والتكتيك، ولكن في مقالة البرافدا هذه نجد عرضاً مفهوماً مُحْكَماً وشديد التعميم، قد لا نجد مثله في مؤلَّفاته الأخرى حول الموضوع.

يجدر بالذكر بدايةً بأنّ مقال ستالين الذي حمل عنوان «بشأن مسألة استراتيجية وتكتيك الشيوعيّين الرُّوس» احتوى على نتائج وخلاصات وتعريفات نظريّة عامّة حول الاستراتيجية والتكتيك، وكان يُتبِعُ كلّاً منها بأمثلة تاريخية خاصّة من أحداث عسكرية وسياسية جرت في روسيا. أمّا في المقتطفات أدناه، فقد تخلّينا عن كلّ تلك الأمثلة الخاصّة التي تحتاج لإطالة الشرح والتفصيل، وآثَرنا التركيز فقط على النتائج النظرية العامّة التي ما تزال صالحة لزمننا الرّاهن. وقد افتتح ستالين مقالته بالتنويه إلى أنّها استندت إلى محاضراتٍ سابقة ألقاها، وبأنّها: «لا تدّعي تقديم أيِّ شيءٍ جديد في الجوهر مقارنةً بما قيل بالفعل مرّات عدّة في صحافة الحزب الروسي من قبل رفاقنا القياديين. يجب اعتبار المقالة الحالية عرضاً مكثفاً ومخططاً لوجهات النظر الأساسية للرفيق لينين».

1- جانبان لحركة الطبقة العاملة

إنّ الاستراتيجية السياسية، وكذلك التكتيك، معنيّان بحركة الطبقة العاملة. ولكن حركة الطبقة العاملة نفسها تتألف من عنصرين: العنصر الموضوعي أو العفوي، والعنصر الذاتي أو الواعي. العنصر الموضوعي العفوي هو مجموعة العمليّات التي تجري بشكلٍ مستقل عن الإرادة الواعية والمنظَّمة للبروليتاريا. إنّ التطور الاقتصادي للبلاد، وتطور الرأسمالية، وتفكّك النظام القديم، والحركات العفوية للبروليتاريا والطبقات المحيطة بها، والصراع بين الطبقات، إلخ - كلّ هذه ظواهر لا يعتمد تطورها على إرادة البروليتاريا. هذا هو الجانب الموضوعي للحركة. الاستراتيجيّة لا علاقة لها بهذه العمليات، لأنّها لا تستطيع إيقافَها أو تغييرَها؛ بل تستطيعُ فقط أخذها في الاعتبار والانطلاق منها. هذا هو المجال الذي يجب أن تدرسَه النظرية الماركسية وبرنامج الماركسية.
ولكنَّ الحركة لها جانبٌ ذاتيٌّ واعٍ أيضاً. والجانب الذاتيُّ للحركة هو انعكاسُ العمليات العفوية للحركة في أذهان العمال؛ إنّه الحركة الواعية والمنهجية للبروليتاريا نحو هدفٍ محدَّد. وهذا الجانب من الحركة هو الذي يهمّنا لأنّه، على عكس الجانب الموضوعي، يَخضعُ بالكامل للتأثير التَّوجيهيّ للاستراتيجية والتكتيك. وبينما لا تستطيع الاستراتيجية أن تسبِّبَ أيَّ تغييرٍ في مسار العمليات الموضوعيّة للحركة، فإنّ مجالَ تطبيق الاستراتيجية هنا، على العكس من ذلك، في الجانب الذاتيّ الواعي للحركة، واسعٌ ومتنوِّع، لأنَّ الاستراتيجية يمكن أنْ تسرِّعَ أو تؤخِّرَ الحركة، وتوجِّهَها على أقصر طريق أو تحوِّلَها إلى مسارٍ أكثر صعوبة وألماً، اعتماداً على مدى الكمال في الاستراتيجية نفسها أو أوجه القصور فيها.
إنّ تسريعَ الحركة أو تأخيرَها، وتسهيلَها أو إعاقتَها - هذا هو المجال والحدود التي يمكن تطبيق الاستراتيجية والتكتيك السياسيَّيَن ضمنَها.

2- نظرية الماركسية وبرنامجها

إن الاستراتيجية نفسَها لا تدرُس العمليات الموضوعيّة للحركة. ومع ذلك، يتعيَّن عليها أنْ تَعرِفَها وتأخذها في الاعتبار بشكلٍ صحيح إذا كان لها أنْ تتجنَّب الأخطاء الفادحة والقاتلة في قيادة الحركة. إنّ العمليات الموضوعية للحركة تدرسُها في المقام الأوَّل النظريةُ الماركسية وكذلك برنامجُ الماركسية. وبالتالي، يتعيَّن على الاستراتيجية أن تستند بالكامل إلى البيانات التي تُوفِّرُها النظريةُ الماركسية وبرنامجُها.
من خلال دراسة العمليات الموضوعية للرأسمالية في تطورها وانحدارها، تصل النظريةُ الماركسية إلى الاستنتاج بأنّ سقوط البرجوازية واستيلاء البروليتاريا على السلطة أمرٌ لا مَفرَّ منه، وأنّ الرأسمالية لا بدّ أنْ تفسح المجال للاشتراكية حتماً. لا يمكن وصف الاستراتيجيّة البروليتاريّة بأنّها ماركسية حقاً إلّا عندما تستند عمليّاتُها إلى هذا الاستنتاج الأساسي للنظرية الماركسية.
إن برنامج الماركسية، انطلاقاً من معطيات النظرية، يحدِّدُ أهدافَ الحركة البروليتارية، والتي تتمُّ صياغتها عِلمياً في نقاطِ البرنامج. وقد يكون البرنامجُ مصمَّماً لتغطية كامل فترة التطوّر الرأسمالي بحيث يضع نصبَ عينيه الإطاحةَ بالرأسمالية وتنظيمَ الإنتاج الاشتراكي، أو لتغطية مرحلةٍ واحدة محدَّدة من مراحل تطوّر الرأسمالية، مثلاً: الإطاحة ببقايا النظام الإقطاعي المطلق وخلق الظروف اللازمة للتطور الحرّ للرأسمالية. وعلى هذا فإنّ البرنامج قد يتألّف من جزأين: الحدّ الأقصى والحد الأدنى. وغنيٌّ عن القول إنّ الاستراتيجية المصمَّمة للجزء الأدنى من البرنامج لا بدّ وأنْ تختلف عن الاستراتيجيّة المصمَّمة للجزء الأقصى؛ ولا يمكن أنْ نسمي الاستراتيجية ماركسيةً حقّاً إلّا عندما تسترشدُ في عمليّاتها بأهداف الحركة كما صيغت في برنامج الماركسية.

3- الاستراتيجية

إنّ الوظيفة الأكثر أهمية للاستراتيجية هي تحديد الاتجاه الرئيسي الذي ينبغي للحركة العمّالية أنْ تسلكَه، والذي تستطيع البروليتاريا أنْ تسلكَه بأفضل طريقة ممكنة لتوجيه الضَّربة الرئيسيّة إلى عدوِّها من أجل تحقيق الأهداف التي صاغَها البرنامج. والخطّة الاستراتيجية هي خطّةٌ لتنظيم الضَّربة الحاسمة في الاتجاه الذي من المرجَّح أنْ تُحقِّقَ فيه الضربةُ أقصى النتائج.
بعبارة أخرى، فإنّ تحديد اتّجاه الضربة الرئيسيّة يعني تحديدَ طبيعة العمليّات مُسبقاً خلال فترة الحرب بأكملها، أيْ تحديدَ مصير الحرب بأكملها مُسبقاً، إلى حدّ تسعة أعشارها. هذه هي وظيفة الاستراتيجية.
ويجب أنْ يقال الشيءُ نفسُه عن الاستراتيجية السياسيّة... إنّ وظيفةَ الاستراتيجيّة السياسية هي في المقام الأوّل تحديدُ الاتجاه الرئيسي للحركة البروليتاريّة في بلدٍ معيَّن في فترةٍ تاريخيّة معيَّنة بشكلٍ صحيح، وذلك بالاستناد إلى البيانات التي توفّرها النظرية والبرنامج الماركسي، مع الأخذ بالاعتبار تجربة النضال الثوري لعمال جميع البلدان.

4- التكتيك

التكتيك جزءٌ من الاستراتيجيّة، تابعٌ لها ويَخدمها. والتكتيك لا يهتمّ بالحرب ككلّ، بل بحلقاتها الفردية، بالمعارك والاشتباكات. وتسعى الاستراتيجيّة إلى كسبِ الحرب، أو مواصلةِ النضال... حتى النهاية. أما التكتيك، فعلى العكس من ذلك، يسعى إلى كسب اشتباكاتٍ ومعاركَ معيَّنة، أو إجراء حملات معيَّنة بنجاح، أو عملياتٍ معينة، تتناسب إلى حدٍّ ما مع الوضع الملموس للنضال في كلِّ لحظة معيَّنة.
إنّ الوظيفة الأكثر أهمّية للتكتيك هي تحديدُ الطِّرِق والوسائل، وأشكالِ وأساليب القتال الأكثر ملاءمةً للوضع الملموس في اللّحظة المعيَّنة، والأكثر تأكيداً لتمهيد الطريق للنجاح الاستراتيجي. وبالتالي، يجب النظر إلى عملية التكتيك ونتائجها ليس بمعزل عن بعضها بعضاً، وليس من وجهة نظر تأثيرها المباشر، ولكن من وجهة نظر أهدافِ وإمكانيّاتِ الاستراتيجية.
هناك أوقاتٌ تُسهِّلُ فيها النجاحاتُ التكتيكية تحقيق الأهداف الاستراتيجية. وهناك أوقاتٌ أخرى تؤدي فيها النجاحات التكتيكية -الرائعة من وجهة نظر تأثيرها الفوري ولكن غير المتوافقة مع الإمكانيات الاستراتيجية- إلى خلق وضع «غير متوقَّع» قاتلٍ للحَملة بأكملها.
وأخيراً، هناك أيضاً أوقاتٌ يجب فيها تجاهلُ النجاح التكتيكيّ، بل وحتّى تكبُّد الخسائر والانتكاسات التكتيكية عَمداً من أجل ضمانِ المكاسب الاستراتيجيّة المستقبليّة...
بعبارة أخرى، لا ينبغي أن يَخضعَ التكتيكُ للمصالِح العابرة اللَّحظية، ولا ينبغي أنْ يَسترشد باعتباراتِ التأثيرِ السياسيّ الفوري، ناهيكَ عن التخلّي عن الأرضِ الصلبة وبناء قلاعٍ في الهواء. يجب تصميمُ التكتيك وفقاً لأهدافِ وإمكانيّات الاستراتيجية.
إنّ وظيفة التكتيك هي في المقام الأول تحديدُ أشكالِ وأساليب النّضال الأكثر ملاءمة للوضع الملموس للنضال في كلّ لحظةٍ معيَّنة، وذلك وفقاً لمتطلّبات الاستراتيجية، ومع الأخذ بعين الاعتبار تجربةَ النضال الثوري للعمَّال في جميع البلدان.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1205