«كوزموس-كُويْن»: مُقتَرحٌ لعُملة احتياطٍ كَونيّة بديلة عن الدولار
يتصور مفهوم KosmosCoin عملةً رقمية مدعومة بأصول ملموسة مثل الأرض والسكان والمعادن الثمينة، لتكون بمثابة وسيلة تبادل مستقرة وموثوقة على نطاق عالمي. ويهدف دعمها بهذه الأصول إلى توفير تمثيلٍ أكثر شمولاً وعدالة للإمكانيات الاقتصادية لكل دولة، مما يمكن أن يساهم في تقليل التفاوتات بين الدول وضمان توزيع أكثر عدالة للفوائد الاقتصادية العالمية. وهذا يتناقض مع التبادل غير المتكافئ الذي يميز المعاملات التجارية الإمبريالية. يلقي المقال الآتي الضوء على مفهوم هذه العملة استناداً إلى قراءة في ورقة بحثية عنها نُشرت في 20 أيلول 2024 في «مجلّة بريكس الاقتصادية».
تعريب وإعداد: د. أسامة دليقان
«العمل ليس المصدر الوحيد للقيم الاستعمالية -للثروة المادية- التي ينتجها؛ إنّ العمل هو أبوها والأرض هي أمّها، كما يقول وليام بيتي». هذا ما كتبه ماركس في الفصل الأول من «رأس المال». وهذا ما يتبادر إلى الذهن عند قراءة الورقة البحثية المذكورة التي نضيء عليها هنا، والتي رغم أنها لم تذكر ماركس لكن كاتبها، فيجيمون أوروكليل، من جامعة بنغالور الهندية ركّز على أنّ مفهوم أساسي مقترَح لعملة احتياط كَونية جديدة تستند قيمتها إلى الأرض والسكان والمعادن الثمينة.
الميزات الأساسية للعُملَة الكَونيّة الجديدة
تقترح الورقة أنه من خلال الجمع بين كفاءة وأمان المعاملات الرقمية والقيمة الجوهرية لهذه الأصول، تهدف كوزموس-كُوين KosmosCoin إلى معالجة عيوب ومحدوديات العملات الاحتياطية الحالية وتعزيز الاستقرار المالي، والحد من التعرض للتقلبات وعدم اليقين المرتبط غالباً بالعملات الورقية التقليدية.
وتبتعد العُملة الكَونية المقترحة عن الاعتماد التقليدي على عملة مهيمنة واحدة، وتقدم نهجاً متنوعاً وشاملاً. ودعم العملة بأصول ملموسة يمنحها قيمة جوهرية ويقلل من الاعتماد على السياسات النقدية للدول فُرادى، مما يخفف المخاطر المرتبطة بالتقلبات الاقتصادية والتلاعب بالعملة والعوامل الجيوسياسية، والتي غالباً ما تؤثر على استقرار العملات الاحتياطية، مما يعزز نظاماً مالياً أكثر توازناً وعدالة وتعاوناً وتشجيعاً للتنمية المستدامة بين الدول.
ومن ميزات العملة المقترحة استخدامها للتكنولوجيات الرقمية و«البلوكشين» لتعزيز الكفاءة والشفافية وإمكانية الوصول، بحيث يمكن تنفيذ المعاملات التي تتم باستخدامها بسلاسة وأمان وبطريقة لامركزية وشفافة وتتيح المساءلة والتتبع بشكل أكبر، مما يساعد في مكافحة الأنشطة غير المشروعة وتعزيز الثقة في النظام المالي.
كما يمكن لمفهوم العملة الواعد هذا معالجة المخاوف المتعلقة بغسيل الأموال وتمويل الإرهاب والجرائم المالية الأخرى، بحسب الورقة. ويساعد هذا النهج الاستباقي في بناء الثقة بين الجهات التنظيمية ويضمن قابلية KosmosCoin للاستمرار على المدى الطويل كعملة احتياطية عالمية شرعية.
وخصص المؤلف ثلاثة أقسام رئيسة في ورقته لكل من: الآثار الاقتصادية، والاعتبارات الفنية، وجوانب الحَوكمة الخاصة بالـ«كوزموس-كُوين»، مما يوفر تحليلاً شاملاً لإمكاناتها كقوة تغير قواعد اللعبة في النظام المالي العالمي، بحسب وصفه.
مراجعة تاريخية لمفهوم عملة الاحتياط العالمية
في هذا القسم من الورقة كتب المؤلِّف بأنّ مفهوم العملة الاحتياطية العالمية تعود إلى قرون مضت. ومن الأمثلة المبكرة عملات الإمبراطورية الرومانية التي قُبلَتْ على نطاق واسع للتجارة. ثم في العصور الوسطى أصبحت العملة الصلبة للإمبراطورية البيزنطية مهيمنةً. ثم عملت العملة الفضية الإسبانية كعملة احتياطية عالمية بحكم الأمر الواقع بسبب هيمنة إسبانيا على التجارة العالمية واحتياطياتها الفضية الضخمة. وفي وقت لاحق، برز الجنيه الإسترليني البريطاني خلال القرن التاسع عشر مع ظهور الإمبراطورية البريطانية كقوة عالمية مهيمنة.
وحدث تحول كبير بعد الحرب العالمية الثانية في مؤتمر بريتون وودز عام 1944. حيث أصبحت الولايات المتحدة أكبر اقتصاد في العالم، والدولار الأمريكي العملة الأساسية، مدعوماً بالذهب بسعر صرف ثابت، قبل إلغاء مفاعيلها وإفلات الدولار من الدعم الذهبي وتحويله إلى نظام سعر الصرف العائم عام 1971.
وكشفت الأزمة المالية لعام 2008 وتداعياتها حتى الآن عن نقاط ضعف في النظام الحالي وأثارت تساؤلات حول تركيز القوة في عملة واحدة، مما دفع إلى البحث عن عملات بديلة، بما في ذلك العملات الرقمية وسلّة من العملات. وتسعى كوزموس-كوين إلى تمهيد الطريق لعصر جديد في التمويل الدولي.
«الدَّعم الثلاثي» للعملة الكونية المقتَرَحة
أولاً: الأرض. فهي أصلٌ ملموس ومورد إنتاجي حقيقي يدعم قيمة كوزموس-كوين. والقيمة الجوهرية للأرض المستمدة من توافرها وإنتاجيتها وإمكانية تطويرها في المستقبل، تشكل أساساً قوياً للعملة. يوفر هذا الأصل المادي تحوّطاً ضد الركود الاقتصادي والتضخم، ويساهم في الاستقرار العام للعملة.
ثانياً: السكان. تضيف القدرة الإنتاجية لسكّان الأمّة كرأس مال بشريّ طبقةً أخرى من الاستقرار لعملة كوزموس-كوين. ومن خلال النظر في الإمكانات البشرية والناتج الاقتصادي، ترتبط قيمة هذه العملة بالأنشطة الاقتصادية الحقيقية للسكان وقدراتهم الإنتاجية، مما يعكس الاقتصاد الأساسي بدقة أكبر ويساعد هذا الربط للعملة بالإنتاجية البشرية في الحفاظ على الاستقرار والارتباط بالنمو الاقتصادي والتنمية في الدول المشاركة في المنظومة المقترحة لهذه العملة.
ثالثاً: المعادن الثمينة. إدراج المعادن الثمينة كالذهب والفضة ضمن دعامات العملة الكونية المقتَرحة يعزّز استقرارها. فلطالما كانت المعادن الثمينة مخازن للقيمة تاريخياً وحصناً ضد التضخم وتقلبات السوق.
معادلة مقترحة لقيمة «كوزموس-كوين»
اقترح المؤلّف الهندي لهذه الورقة معادلة رياضية بسيطة لحساب قيمة العُملة الكونية تقول بأن قيمتها تساوي مجموع قيم دعاماتها المادية الثلاث بعد ضرب كلّ دعامة منها بـ«نسبة تثقيل» معيّنة. واقترح أن يكون التثقيل بنسبة 40% للقدرة الإنتاجية للسكان، و30% لكلّ من موارد الأرض والمعادن الثمينة. وفق المعادلة التالية: قيمة العُملة الكونية = (40% X قيمة القدرة الإنتاجية لسكان البلد من السلع والخدمات) + (30% X قيمة موارد أراضي البلد) + (30% X قيمة المعادن الثمينة في احتياطيات البلد).
تعليقات نقدية
يمكننا ملاحظة إيجابيات فرضية عملة كونية تستند إلى دعمها بأصول حقيقية كالأرض والسكان والمعادن الثمينة. وهذا يعتبر تقدماً هامّاً. وكذلك طريقة الحساب المفترضة التي تعمل على أثقال نسبية غير متناظرة بين هذه الأسس المادية الثلاث. كذلك الحديث عن إمكانيات مكافحة غسيل الأموال والإرهاب والاقتصاد الأسود قد تعني بأن النظام المالي القائم على عملة كهذه مؤهَّل لمكافحة الفاشية الجديدة.
أما السلبيات الممكنة، فنلاحظ في ورقة الباحث نفسها أنه قدم جدولاً حسب فيها قيمة ثروة 7 بلدان كبيرة وفق معادلته، فكانت النتيجة أن الولايات المتحدة الأمريكية بقيت متصدرة للقائمة! مع قيمة إجمالية تقارب 11.28 ترليون دولار، بينما حلّت الصين ثانياً بقيمة 7.88 ترليون دولار، أيْ بفارق كبير لا يبدو عادلاً إطلاقاً، ثم بعدها (والأرقام بالترليون دولار) تأتي على التوالي: ألمانيا 1.94، واليابان 1.81، والهند 1.54، وفرنسا 1.32، وبريطانيا 1.29.
وهكذا يرجّح أن طريقة الحساب تتطلب تعديلات سواء من الناحية النوعية أو الكمية. أما كيف يتم ذلك فيحتاج إلى بحث. هل تؤخذ بالاعتبار أصول مادية إضافية مثلاً؟ وحتى ضمن نوعيّات الأصول الثلاث المعتمدة، ألا يمكن أن تؤخذ بالاعتبار تفاصيل إضافية؟ فنحن نعلم أنّ مهارات العمال الصينيين مثلاً أحرزت تقدماً كبيراً في التأهيل والقدرة العلمية والتقنية مقارنة بالقوى العاملة في البلدان الغربية وأمريكا التي شهدت سنوات من إزالة الصناعة أساساً ويعملون في مجالات متزايدة الريعية والطفيلية. وهل من العدل تثقيل السكان بـ 40% فقط مقابل تثقيل احتياطي المعادن الثمينة بـ 30%؟ أولم تحصل البلاد الإمبريالية على كثير من احتياطيّات معادنها الثمينة عبر النهب التاريخي للمستعمرات قديماً وحديثاً؟ هذه الأسئلة وغيرها بحاجة إلى ما هو أكثر من حساب اقتصادي تقني بحت بل إلى حساب يستند إلى اقتصاد-سياسيّ أكثر وضوحاً وجذريّةً في توجّهه الطبقي «يُثقِّلُ» مصالح الطبقة العاملة وسائر الكادحين بالنسبة التي يستحقّونها بوصفهم الأغلبية الشعبية العالَمية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1201