«بريكس» والنهوض بتدريس العلوم والهندسة والرياضيات
يميل النشاط الاقتصادي الحديث إلى اعتمادٍ كبير على ما يسمّى «الاقتصاد الرَّقمي» حيث تحتل مهارات التعامل مع الكمبيوتر والإنترنت والتكنولوجيا الحديثة عموماً أهمية متزايدة للقوى العاملة الحديثة اليوم. وتواجه دول بريكس تحدياً في إعداد سكانها لمستقبل العمل في الاقتصاد الرقمي، وتحتاج إلى رفع كمّي ونوعي لسويّة قواها العاملة، لأن العديد من عمّالها عالقون في وظائف تتطلب مهارات منخفضة ويفتقرون إلى الكفاءة اللازمة للاقتصاد الرقمي، الذي يتطلّب سكاناً ملمّين بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (وهي المجالات المعروفة اختصاراً بـ التعليم التقنيّ).
تعريب وإعداد: د. أسامة دليقان
هذا الموضوع عالجه مقال في العدد الأول لهذا العام من «مجلة دراسات بريكس» الصادر في آب 2024، حمل عنوان «جَسر الهوَّة الرّقمية: تعزيز تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات من أجل قيادة اقتصاد رقميّ». وكتَبَه باحثان من جنوب إفريقيا، هما جيمس مايسيري وتاكيدزا مادزيكاندا.
وقدّم المقال اللمحة الآتية عن حالة تدريس العلوم التقنية والهندسية والرياضية (التعليم التقنيّ) في دول بريكس، وسنكتفي بالإشارة إليها اختصاراً بأنها «التعليم التقنيّ».
البرازيل
واجهت البرازيل تحديات في التعليم التقنيّ بسبب الفوارق الاجتماعية والاقتصادية ونقص الموارد في أنظمة التعليم العام. ومع ذلك، أظهرت البرازيل في السنوات الأخيرة التزاماً بتحسين هذا التعليم من خلال زيادة الاستثمارات في تكنولوجيا التعليم وتدريب المعلمين. من أكبر التحديات نقص المعلمين المؤهلين وضعف التدريب والعبء الزائد عليهم، إضافةً إلى نقص الموارد والبنية التحتية. في عام 2019، كانت نسبة القوى العاملة في وظائف تتطلب التعليم التقنيّ 2.8% فقط، مع تمثيل منخفض للنساء بنسبة 26% في تلك الوظائف. في عام 2022، حصل 17.5% فقط من الخريجين على درجات في مجالات التعليم التقنيّ، وكانت نسبة النساء الحاصلات على درجات فيه هي 36.64% مقارنة بـ 63.36% للرجال.
روسيا
تتمتع روسيا بتقليد قوي في البحث العلمي والتطوير مع وجود مدارس وجامعات عالية الجودة في مجالات التعليم التقنيّ. الطلاب الروس يقدّمون أداءً جيّداً في المسابقات الدولية في الرياضيات والعلوم، مما يدل على فعالية التعليم التقنيّ لديهم. إلا أنّ روسيا تواجه تحديات مثل نقص المعلمين المؤهلين ونقص الموارد والبنية التحتية. رغم هذه التحديات، زاد الاهتمام بالتعليم التقني والاستثمار فيه، وتم إطلاق عدة مبادرات وبرامج تركز على التعليم التقنيّ مثل مرسوم تطوير الذكاء الاصطناعي. في عام 2018، كانت نسبة القوى العاملة في وظائف التعليم التقنيّ %4فقط، مع تمثيل منخفض للنساء في هذه المجالات.
الهند
جعلت الحكومة الهندية من التعليم التقني أولويةً مع تركيز كبير على إنتاج خريجين ذوي كفاءة عالية. ولكن يواجه التعليم التقنيّ في الهند تحديات مثل العدد الكبير من الطلاب ونقص الموارد والبنية التحتية وتحديث المناهج الدراسية. رغم هذه التحديات، هناك جهود لتحسين النظام التعليمي وتحديثه مع دفع نحو التعلم الرقمي والمناهج العملية. في عام 2022، حصل 34% من جميع الخريجين في الهند على درجات في مجالات التعليم التقنيّ، رغم التمثيل المنخفض للنساء في هذه المجالات.
الصين
قامت الصين باستثمارات كبيرة في التعليم التقنيّ من خلال بناء مدارس وجامعات جديدة وتوفير التمويل للأبحاث والتطوير. حدد الرئيس الصيني هدفاً لضمان أن تصبح الصين رائدة في الابتكار بحلول عام 2050. في عام 2017، تخرج 8 ملايين طالب في مجالات التعليم التقنيّ من الجامعات الصينية. رغم الجهود المبذولة لسد الفجوة بين الجنسين في التعليم التقنيّ، لا تزال النساء ممثلات تمثيلاً ناقصاً في سوق العمل.
جنوب أفريقيا
تواجه جنوب أفريقيا تحديات كبيرة في التعليم التقنيّ نابعة من التفاوتات التاريخية ونقص الموارد. مجالات هذا التعليم أقل تطوراً مقارنة بدول البريكس الأخرى. على الرغم من الجهود الحكومية لتحسين التعليم وزيادة الوصول إلى التعليم التقنيّ ذي الجودة العالية، هناك تحديات مستمرة مثل نقص المعلمين المؤهلين والموارد والبنية التحتية، إلى جانب التفاوتات في جودة التعليم. رغم هذه التحديات، هناك علامات إيجابية مثل زيادة الاستثمار في هذا النوع من التعليم واهتمام الطلاب بهذه المجالات.
نقاط قوة بريكس في التعليم التقني
تتمتع دول البريكس بعدة نقاط قوة في مجال التعليم التقنيّ (أيْ العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات) والبحث في هذا المجال، وفيما يأتي أبرز هذه النقاط.
1- التعداد السكاني الكبير: تمتلك دول البريكس أكثر من 3 مليارات نسمة. هذا يوفر لهم قاعدة كبيرة من الطلاب والباحثين المحتملين في مجالات التعليم التقنيّ. تربية هذه القاعدة السكانية الكبيرة للمشاركة في مجالات التعليم التقنيّ ستؤدي إلى زيادة الابتكار والتقدم التكنولوجي والإنتاج البحثي.
2- السكان الشباب: تمتلك دول البريكس سكاناً غالبيتهم من شريحة الشباب عمرياً. يتيح التركيب الديموغرافي الفتيّ لهذه الدول الفرصة لتطوير جيل جديد من العمال المهرة في مجالات التعليم التقنيّ.
3- النمو الاقتصادي السريع: دول البريكس هي من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم. هذا يعني أن لديهم الكثير من الموارد للاستثمار في التعليم التقنيّ والبحث.
1- الدعم الحكومي: تدعم حكومات دول البريكس التعليم التقنيّ والبحث. لقد استثمرت في مدارس وجامعات تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، كما وفرت التمويل للبحث والتطوير في هذه المجالات. وزيادة الدعم الحكومي لهذا التعليم سيساعد في تطوير هذه المجالات بشكل أكبر.
تحديات بريكس في التعليم التقني
1- نقص المعلمين المؤهلين: تواجه دول البريكس نقصاً في المعلمين المدربين في مجالات التعليم التقنيّ بسبب برامج التدريب غير الكافية والرواتب المنخفضة. هذا النقص يعوّق تجارب التعلم للطلاب واستعدادهم لمهن التعليم التقنيّ.
2- البنية التحتية والموارد الضعيفة: تفتقر العديد من المدارس في دول البريكس إلى المرافق الأساسية للتعليم التقنيّ، مثل المختبرات المجهَّزة بشكل جيد والتكنولوجيا الحديثة. تواجه المدارس الريفية بشكل خاص تحديات كبيرة بسبب التمويل غير الكافي والإهمال، مما يعيق وصول الطلاب إلى تجارب التعلم العملية.
3- الاهتمام المنخفض بمواضيع التعليم التقنيّ بين الطلاب: على الرغم من الطلب على مهارات التعليم التقنيّ، يظهر الطلاب في دول البريكس اهتماماً محدوداً بمواضيع التعليم التقنيّ بسبب طرق التدريس القديمة والمفاهيم الخاطئة حول المهن المرتبطة بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. معالجة هذا التحدي تتطلب أساليب مبتكرة لجذب الطلاب وتعزيز أهمية مجالات هذا التعليم.
4- الفوارق بين الجنسين في التعليم التقنيّ: تستمر الفوارق بين الجنسين في مجالات التعليم التقني عبر دول البريكس، مع تمثيل ناقص للنساء في هذه المجالات بسبب الأعراف المجتمعية والتحيزات. سد هذه الفجوة يتطلب جهوداً لتعزيز الشمول، وتقديم الدعم للطالبات، وتحدي الصور النمطية المتعلقة بالجنس.
توصيات للسياسة التعليمية
نظراً للتحديات والفرص المقدَّمة أعلاه، لدى دول البريكس عدد من الاعتبارات السياسية لتعزيز دورها في التقدم بالتعليم التقنيّ. وتشمل:
1- يجب على دول البريكس الاستثمار أكثر في الهياكل الموحدة التي تستهدف برامج التدريب التي تشجع مشاركة النساء في التعليم التقنيّ. تشمل هذه البرامج الأنشطة خارج المنهاج الرسمي، وبرامج الإرشاد، وتشجيع النماذج النسائية في التعليم التقنيّ، والمنح الدراسية.
2- يجب على دول البريكس تشكيل صندوق للبحث والتطوير في مجال التعليم التقنيّ لدعم المبادرات التعاونية فيه وتعزيز تبادل المعرفة. سيدعم هذا الصندوق شبكة التعليم التقنيّ لدول البريكس لمشاركة أفضل الممارسات فيه، مما سيساعد في تطويره بشكل موحَّد.
3- يجب على دول البريكس تخصيص ميزانيات أكبر للمدارس الريفية في المناطق الفقيرة وتجهيزها بمختبرات ومعدات التعليم التقنيّ. ستغلق هذه السياسة الفجوة بين أفضل وأسوأ المدارس أداءً في بلدان بريكس.
4- يجب على دول البريكس السماح بالدراسة مجاناً للمعلمين الذين ينوون التدريب في مواضيع التعليم التقنيّ (العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات). هذا لتشجيع المزيد من المعلمين على التدريب في مجالات التعليم التقنيّ.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1200