قدرات الابتكار العلمي والتكنولوجي في الصين والولايات المتحدة؟
شو لي شو لي

قدرات الابتكار العلمي والتكنولوجي في الصين والولايات المتحدة؟

لتقييم القدرة التنافسية العلمية والتكنولوجية وقدرات الابتكار في بلد ما، تعدّ مخرَجات البحث العلمي مؤشراً هاماً، و«مؤشر مجلّة الطبيعة Nature» هو أحد هذه المؤشرات كونها من المؤسسات التي تنشر مجلّات علميّة محكّمة. على سبيل المثال، بافتراض أنّ هناك خمسة مؤلفين لبحث منشور في مجلة علميّة محكّمة، أحدهم تابع لمؤسسة أمريكية والأربعة الآخرون تابعون للصين، سيتم احتساب قيمة 0.2 لمصلحة المؤسسة الأمريكية و0.8 لمصلحة المؤسسة الصينية.

ترجمة: قاسيون

وفقًا للإحصاءات المستندة إلى هذه الطريقة في هذا العام 2024، سيكون للبرّ الرئيسي الصيني وهونغ كونغ وماكاو (يدرج المؤشر الطبيعي مقاطعة تايوان بشكل منفصل في الحسابات الإحصائية) حصّة أكبر من الولايات المتحدة وفقاً لـ 145 مجلة منشورة في عام 2023، لتحتل الصين المرتبة الأولى عالمياً لأول مرة، بزيادة قدرها 13.6% مقارنة بعام 2022. احتلت ألمانيا المركز الثالث، لكن حصتها تراجعت مثل الولايات المتحدة. من بين الدول أو المناطق العشرة الأولى، هناك دولة أو منطقة أخرى زادت حصتها هي الهند، التي تحتل مرتبة أعلى من سويسرا.
وإذا تم تصنيف المؤسسات الأكاديمية وفقاً لهذا المؤشر، فإنّ المؤسسات العشر الأولى تنتمي إلى الصين والولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا. الأكاديمية الصينية للعلوم احتلت المرتبة الأولى، وجامعة هارفارد احتلت المرتبة الثانية. الجامعتان الأفضل أداءً في الصين هما: جامعة الأكاديمية الصينية للعلوم وجامعة العلوم والتكنولوجيا الصينية، اللتان تربطهما علاقات وثيقة مع الأكاديمية الصينية للعلوم. الجامعات الصينية التالية تشمل جامعة بكين، وجامعة نانجينغ، وجامعة تشجيانغ، وجامعة تسينغهوا، والفجوة بينها صغيرة جداً. إنّ تصدّر قائمة الدول في مؤشر مجلّة الطبيعة لأول مرة هو أمرٌ يدلّ على أنّ الصين أصبحت تدريجيّاً واحدة من مراكز الابتكار العلمي والتكنولوجي الدولية الجديدة.
بطبيعة الحال، عند تقييم مخرجات البحث العلمي، فإنّ تصنيف مؤشر مجلّة الطبيعة هو مرجعٌ واحد فقط. بالإضافة إلى ذلك، فإن تصنيف الباحثين الذين تم الاستشهاد بهم بشكل كبير الذي أطلقته Clarivate هو أيضاً تصنيف إحصائي يثير اهتماماً كبيراً لدى المجتمع الأكاديمي. لا تهتمّ هذه الطريقة الإحصائية بدرجة المجلّة التي نُشرت فيها الورقة. ولكنّها تركّز على مؤلِّف الورقة، أيْ الشخص المحدَّد الذي يروّج تطوّر الموضوع. تتبع هذه الطريقة وتحصي عدداً كبيراً من المكاسب في سنة معينة لمؤلّفي الأوراق البحثية المستشهد بها لمعرفة المؤلفين الأكثر استشهاداً بهم في العالم. هؤلاء الأشخاص غالباً ما يكونون شخصيات رائدة في تطوير هذا التخصص. بناءً على هذا التصنيف يتم تلخيص المؤسسات والبلدان أو المناطق التي ينتمي إليها كل مؤلّف من أجل التصنيف.
في أحدث تصنيف إحصائي لعدد العلماء الذين تم الاستشهاد بهم بشكل كبير في عام 2023، لا تزال الولايات المتحدة تتقدّم على الدول أو المناطق الأخرى بفارق كبير. عدد العلماء الذين تم الاستشهاد بهم كثيراً هو أكثر من ضِعف عدد العلماء الذين احتلّوا المركز الثاني الصين، لكن الصين تتقدّم أيضاً على دول أو مناطق أخرى بفارق كبير. من الجدير بالذكر أنّ هونغ كونغ مدرجة بشكل منفصل عن الصين في هذا المؤشر. وإيطاليا، التي تحتل المرتبة العاشرة في العالم، لديها عُشر عدد العلماء الذين يتم الاستشهاد بهم بشكل كبير في الصين.
وفي قائمة Clarivate للمؤسسات التي تمّ الاستشهاد بها بشكل كبير، تحتلّ الأكاديمية الصينية للعلوم أيضاً المرتبة الأولى في العالم، متقدمة على جامعة هارفارد التي احتلت المركز الثاني في الولايات المتحدة. ومع ذلك، وعلى عكس التقدم الكبير في مؤشر مجلّة الطبيعة، فإن تقدم الأكاديمية الصينية للعلوم في العدد الإجمالي للباحثين الذين تم الاستشهاد بهم ضعيف نسبياً. ينعكس هذا الاختلاف أيضاً في إجمالي عدد المؤسسات الصينية التي تدخل قوائم العشرة الأوائل.
بطبيعة الحال، لإجراء تقييم شامل لقدرات الابتكار العلمي والتكنولوجي في أي بلد، يمكننا أن ننظر إلى الاستثمار في البحث والتطوير، فهو أيضاً مؤشر مرجعي مهمّ للغاية. هنا أقتبس تقرير «حرب الابتكار: كيف تكتسب الصين ميزة على الولايات المتحدة في مجال البحث والتطوير المؤسسي» الذي نشرته مؤسسة تكنولوجيا المعلومات والابتكار، وهي مؤسسة بحثية أمريكية غير ربحية للسياسة العامة، في يوليو/تموز 2023. يأخذ التقرير في الاعتبار الاختلافات في حجم المؤسسة ومستوى دخل الأجور المنخفض نسبياً لعمال الشركات الصينية، ويستخدم بيانات الاستثمار في البحث والتطوير لأكبر 2500 شركة في العالم بناءً على إحصاءات الاتحاد الأوروبي.
ينبغي أن يقال إنّ استثمارات الشركات الصينية في البحث والتطوير في مجال البرمجيات وخدمات الحوسبة والأدوية والتكنولوجيا الحيوية أقل نسبياً من استثمارات الولايات المتحدة، وهو ما يتماشى مع توقعاتي الشخصية. وفي صناعة الدفاع، ليس من المستغرب أن تستثمر الولايات المتحدة أكثر بكثير من الصين، ومن السهل استخلاص نتيجة مماثلة من نسبة النفقات الدفاعية إلى الناتج المحلي الإجمالي في البلدين. لكن، من حيث الإنتاج، حققت علوم وتكنولوجيا الدفاع الوطني في الصين اختراقات سريعة في السنوات الأخيرة، ومن حيث الأداء الفعلي في مجال الفضاء «بما في ذلك التقدم في بناء المحطة الفضائية، ومشاريع استكشاف القمر، وما إلى ذلك»، فهي أيضاً جيدة. من الواضح أن الصين تتقدّم على الولايات المتحدة، ولذلك فإن الاستثمار المالي الصيني في هذا المجال أقل وضوحاً نسبياً ولا يحدّ من التقدم المستمر للصين.
في السنوات الأخيرة، زادت الشركات الصينية استثماراتها في المعدات الإلكترونية والكهربائية لأشباه الموصلات، وأعتقد أننا سوف نشهد تقدماً أعظم في السنوات القليلة المقبلة. في مجال السيارات وملحقاتها، تجاوزت الشركات الصينية الولايات المتحدة بالفعل في مجال الاستثمار، وخاصة في مجال السيارات الكهربائية، وأعتقد أنه لا توجد مشكلة بالنسبة للصين في توسيع تفوّقها على الولايات المتحدة. فيما يتعلق بالطاقة غير التقليدية، فإن تقدم الصين على الولايات المتحدة لا ينبغي أن يكون 1.2 مرة كما هو على الورق، بل أكثر في الواقع بكثير.
انطلاقاً من قوة البحث العلمي التي تمثّلها المجلات ذات عامل التأثير العالي التي تحدّث عنها مؤشّر مجلّة الطبيعة، فإنّ الصين لديها القدرة على التنافس المباشر مع الولايات المتحدة على موقع الريادة، ولكن من منظور عدد العلماء الذين يتم الاستشهاد بهم بشكل كبير في العالم، فإنّ تخلف الصين لا يزال واضحاً نسبياً. أعتقد شخصياً أنّ هذا يرتبط ارتباطاً وثيقاً بحقيقة أنّ نظام البحث العلمي في الصين لا يهتمّ باستخدام عوامل تأثير المجلّات كمعايير للتقييم. من الناحية العمليّة، فإنّ عوامل تأثير الاستشهاد في المجلات التي تنشر فيها الورقة البحثية هي الألقاب المهنية ومستويات الموهبة «ما يسمى بـالقبّعات في أوساط الاستشهاد العلمي».
إحدى المشاكل التي يمكن أن أفكّر بها ومن شأنها أنْ تؤدّي لهذه النتائج هي التحيّز في طلبات المنح تجاه أولئك الذين يقومون بمستوى مماثل من العمل ولكن لديهم موارد أقلّ بكثير. على سبيل المثال، نشر «أ» ورقته البحثية في مجلة ذات تأثير مرتفع، وقام «ب» بذلك أيضاً. لكنّ «ب» فعل ذلك في وحدة صغيرة أقل شهرة، مع لقب مهني أقل، وتمويل أقل، ونقص في المساعدين والمتعاونين المشهورين. عندما كتب «أ» و«ب» طلبات تمويل مماثلة، اختارت المراجع الاستشهاد بصاحب التمويل واللقب الأكبر.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1190
آخر تعديل على الأربعاء, 11 أيلول/سبتمبر 2024 23:16