ذكاء «مايكروسوفت» الاصطناعي يعتاش على ذكاء الهنود الطبيعي

ذكاء «مايكروسوفت» الاصطناعي يعتاش على ذكاء الهنود الطبيعي

أطلق الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، ساتيا ناديلا، دعوةً الخميس 6 شباط 2024 لأكثر من ألف مطوِّر هنديٍّ لبرامج الكمبيوتر، لكي يحثّهم على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التي تنشرها عِملاقة التكنولوجيا الأمريكية في منتوجاتها، وذلك بالطبع لكي تستفيد من العمل الفكري الضخم والمميّز للمبرمجين الهنود لتطوير منتوجاتها هذه وبالتالي تعظيم أرباحها.

بحسب صحيفة الإندبندنت البريطانية كان الرئيس التنفيذي لمايكروسوفت (وهو هنديٌّ أيضاً) يتحدّث في بنغالورو، التي تعتبر بمثابة «وادي السيلكون» الخاص بالهند. وأشار ناديلا إلى أنّ أكثر من 13.2 مليون مطوِّر هندي موجودون حالياً على منصة GitHub الشهيرة لتطوير البرمجيات عبر الإنترنت، ولتبادل المبرمجين الشيفرات ذات «المصدر المفتوح». ويعني الرقمُ الذي ذكره مدير مايكروسوفت أنّ الهنود يحتلّون المرتبة الثانية من حيث العدد بعد الأمريكيين على هذه المنصّة، ومن المرجَّح أن تنتقل الهند إلى المركز الأول في أعداد المبرمجين بحلول العام 2027 أو 2028.
وتوقّع ناديلا أنّ استخدام الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساهم في 10%، أو 500 مليار دولار، من الناتج المحلي الإجمالي للهند في عام 2025، لكنه لم يذكر مزيداً من التفاصيل حول توقّعه هذا.
وكانت شركة مايكروسوفت قد بَنَتْ مركز البيانات الرابع لها في الهند بالقرب من مدينة حيدر أباد، مسقط رأس مديرها التنفيذي الحالي ساتيا ناديلا. كما أنّ الشركة تملك بالفعل مراكز بيانات في مومباي وبيون وتشيناي.
شراكة مايكروسوفت مع شركة الذكاء الاصطناعي OpenAI، المطورة لبرنامج ChatGPT الشهير، أعطتها السبق في الطفرة التي تنطوي على تكنولوجيا (الذكاء الاصطناعي التوليدي)، لكن عملاق البرمجيات يواجه منافسة من Google ومنافسين آخرين.
في وقت سابق من هذا الأسبوع، احتفل ناديلا الهنديّ بعامه العاشر كرئيس تنفيذي لشركة مايكروسوفت. وتبلغ القيمة السوقية للشركة الآن ثلاثة تريليونات دولار، أكثر من أيّ شركة مساهمة، بما في ذلك شركة «آبل» المنافسة منذ فترة طويلة.
ويمتلك فرع شركة مايكروسوفت في الهند، ومقرّه الرئيسي في حيدر أباد، 11 مكتباً في جميع أنحاء البلاد ويوظّف قرابة 18000 شخص. وقد أعلنت الشركة عن برامج مختلفة تستهدف السوق الهندية والمواهب الهندية، بما في ذلك برنامج تدريب الذكاء الاصطناعي، لمدة شهر، لمائة ألف مطور. وفي مومباي أعلنت الشركة يوم الأربعاء أنها ستقدّم تدريباً على مهارات الذكاء الاصطناعي لمليوني هندي بحلول عام 2025.
الهند سوق رئيسية لشركة مايكروسوفت، والتقى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي مع ناديلا خلال زيارة إلى الولايات المتحدة في حزيران الماضي، وقالت مايكروسوفت إنّ «الذكاء الاصطناعي» كان من بين الموضوعات الرئيسية التي نوقشت.
صناعة التكنولوجيا من أكثر المجالات ربحية على الإطلاق، ويتم إنفاق أكثر من 3000 مليار دولار سنوياً للحفاظ على استمراريتها ونموها. ولمواكبة الطلب على المهنيّين الموهوبين، يتجه العالم وعمالقة التكنولوجيا الغربية نحو الشرق، وتُعتبر الهند المركز «غير الرسمي» للمطوّرين.

جيش من الكفاءات الهندسية

تحوي الهند على أكبر عدد من أرخص العمّال الذهنيّين في مجال التطوير والبرمجة الحاسوبية. ويتقاضى المطوّرون في الهند أجوراً أقلّ مما يتقاضاه المطوِّر الأمريكي مقابل الوظيفة نفسها، مما يسمح للشركات بتوفير 50% من تكاليف التوظيف.
وتشكّل الهند نحو 18% من سكان العالم، ولديها حشد كبير من المهندسين. ومع ذلك، ليس هذا هو السبب وراء امتلاكها لمجموعة كبيرة من المواهب الهندسية، بل هو عدد الأفراد الحاصلين على درجة علمية في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
في كلّ عام، يتقدم ملايين الطلاب إلى أفضل المعاهد الهندية للدراسة والعمل في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة. وقد أدى ذلك إلى تخريج قُرابة 2.6 مليون خرّيج في مجال التكنولوجيا كل عام في الهند. الهند والصين تقودان صناعة التكنولوجيا اليوم، وتبحث شركات التكنولوجيا العملاقة عن مطوّرين أذكياء ومهرة يتمتّعون بمجموعة هائلة من المواهب، مما يبرّر تزايد اهتمام الدول الأجنبية بالهند.
يعدّ الإنترنت والاتصال السلس من مزايا الحضارة البشرية التي يفترض أن تكون من حقوق الإنسان في القرن الحادي والعشرين، ورغم تشدّق الحكومات في الغرب خصوصاً بـ«حقوق الإنسان» لكنّ الاستغلال والنهب الإمبريالي، مع الفساد الداخلي المرتبط به، يدوس على هذا الحقّ لدى شعوب العالَم الفقيرة، مثل كثير غيره من الحقوق المهدورة (كالطاقة والتغذية والصحة والعمل اللائق...). ولذلك لا غرابة في أنّ البلدان ذات الاتصالات الضعيفة لا تقدّم سوى 10% من مطوِّري البرمجيّات في العالم.
وبالعودة إلى الهند، يُسجّل لصالحها تمكّنها من تحقيق النتائج التالية: في عام 2021، كانت الهند من بين أعلى مرتبتين عالمياً لأكبر عدد من مستخدمي الإنترنت. كما أنها تحمل لقب ثاني أكثر دولة مخدَّمة بالاتصالات في العالم. ووفقاً لبيانات عام 2019، كانت الهند الدولة التي تمتلك 500 مليون هاتف ذكي. إنّ الجمع بين الوصول الجيد إلى الإنترنت وشغف الشباب بالبرمجة يعتبر سبباً مهمّاً وراء وجود العديد من المطوّرين في الهند، وتفضيل شركة التكنولوجيا الرائدة عالمياً لتوظيف مطوِّرين من هذا البلد.

كثير من الناطقين بالإنكليزية

يُعَدُّ حاجز اللغة أحد أسباب فشل التعاون التجاري في صناعة التكنولوجيا. على الرغم من أن صناعة التكنولوجيا تزدهر في جميع أنحاء العالم، إلا أن الشيء الوحيد الذي تشترك فيه أدوات التطوير ولغة البرمجة هو اللغة الإنكليزية، نظراً للهيمنة الرأسمالية المزمنة للإمبراطورية الاستعمارية البريطانية وبعدها الأمريكية. وعلى الرغم من أنّ هناك طرقاً للتشفير بأيّ لغة تختارها ومن ثم ترجمتها لاحقاً إلى الإنكليزية، لكن من المحتمل أن تؤدّي هذه الترجمة إلى مشكلات بالتوافق. علاوة على ذلك، فإنّ نصف العمل في دورة التطوير يعتمد على التواصل. الإنكليزية في الهند إحدى اللغات المهمة التي يستخدمها الناس للتواصل ويتحدّث بها 129 مليون شخص في هذا البلد.

أساطير استعمارية متهالكة

أمام مثال الهند ومدى حاجة شركة رأسمالية عملاقة مثل مايكروسوفت إلى عمل مهندسي ومبرمجي الشعب الهندي، لدرجة أنْ يطلق الرئيس التنفيذي للشركة ما يشبه مناشدةً لهؤلاء المَهرة من أجل أن يطوّروا منتوجاتها في مجال الذكاء الاصطناعي – هذا المثال يبيّن لنا ثلاث نقاط أساسية على الأقل: (1) مدى الظلم في التبادل اللامتكافئ الذي لطالما فرضته الإمبريالية حتى اليوم، بحيث أنّ جزءاً مهمّاً من أرباح الشركة الأمريكية العملاقة يأتي على حساب أبناء هذا الشعب من الكادحين بعقولهم، في الوقت الذي ما يزال فيه الجوع والمرض يتفشى في شوارع الهند الفقيرة. (2) يبيّن أيضاً أنّ البلد عندما يتمّ تخديمه بحدٍّ معقول بالاتصالات والإنترنت فإنّ هذا يشكّل بنية تحتية مهمّة تقوم عليها نشاطات اقتصادية عديدة ومن بينها التطوير التكنولوجي وتحسين فرص العمل الفكري لأبنائها. (3) يبين هذا المثال أيضاً سقوط الأساطير العنصريّة التي تصوّر أبناء الشرق و«الجنوب» العالَمي، وكأنهم «متخلّفون» بالمقدرات العقلية وإمكانيات الإبداع أمام الغرب، وهي الأسطورة التي يزداد إفلاسها في عالمنا اليوم، وخاصةً مع تراجع الهيمنة الغربية وصعود قوى العالَم الجديد اقتصادياً-سياسياً وعِلمياً وثقافياً، ومن بينها تكتّل «بريكس» الذي تشكّل الهند ركناً أساسياً من أركانه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1161
آخر تعديل على الأربعاء, 14 شباط/فبراير 2024 10:35